رأي

الحرب على قافلة لا تسير بالغاز الإسرائيلي

كتب وائل قنديل في صحيفة العربي الجديد.

احتشدت مصر الرسمية بكامل طاقتها الدبلوماسية وقواها الناعمة لإحباط مشروع قافلة الصمود الشعبية التي ضمّت قادمين من أقصى الغرب العربي، موريتانيا، عبورًا بالمغرب والجزائر وتونس وليبيا، قاصدة معبر رفح البرّي المصري في تظاهرة عربية سلمية دعمًا للشعب الفلسطيني في غزّة المحاصرة.

هل أخطأ مسيّرو القافلة في حساباتهم حين تصوّروا إمكانية التقاط السلطات المصرية هذه الفرصة الذهبية لكي تنفض عن نفسها غبار الاتهامات بخذلان الشعب الفلسطيني المُحاصر بالجوع والموت وأن تظهر موقفًا قوميًا وإنسانيًا أمام عدو يبتزها ويسخر من دورها؟… نعم أخطأوا في الحساب، ولم ينتبهوا إلى أنهم قبل أن يتحرّكوا بقافلتهم من تونس كانت إسرائيل قد سبقتهم بزيادة صادراتها من الغاز الطبيعي إلى القاهرة بنحو نصف مليار متر مكعب في أوّل يونيو/حزيران الجاري لتُعاود الارتفاع من 300 مليون إلى 800 مليون متر مكعب، وفقًا لتقرير نشرته منصّة الشرق بلومبيرغ، السعودية، نقلاً عن مصدر حكومي مصري. أشارت “بلومبيرغ” إلى أن وزارة الطاقة الإسرائيلية كانت قد أقرّت، حين كان يترأسها وزير الدفاع الحالي يسرائيل كاتس، اتفاقية من شأنها زيادة الإمدادات لمصر من الغاز الطبيعي بما قدره أربعة مليارات متر مكعب إضافية سنوياً، 11 عاماً، على أن تدخل هذه الاتفاقية التي أقرّتها الوزارة حيّز التنفيذ في الشهر المقبل (يوليو/ تموز).

لم يكن القادمون مخترقي حدود أو منتهكي سيادة، بل اقتربوا من باب مصر مستأنسين مستأذنين، متوسّمين في قاهرة العروبة التي ادّعت التصدّي لمشروع الإبادة الصهيوني الأميركي أن تستوعب هتافهم وتفتح ذراعيها لعرب يحبّونها ويحبّون فلسطين، يلتقون على أرضها مع أحرارٍ قادمين من عواصم أوروبية يشاركوننا الألم والغضب من أجل فلسطين، وخصوصًا أنهم تواصلوا مع السفارات والقنصليات المصرية في دولهم وسمعوا كلامًا طيّباً ووُعِدوا خيراً.

شيءٌ من أمنيات القادمين إلى الكبيرة مصر لم يتحقّق، إذ عبست القاهرة في وجوههم وهم على بعد مئات الأميال منها، وليتها اعتذرت عن عدم قدرتها على استقبالهم واكتفت بذلك على قاعدة “لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها”، لكنها أطلقت أبواقها تنهش في القادمين وتعتبرهم أعداء يستهدفون زعزعة استقرارها، ويشكلون خطرًا على أمنها القومي، ثم دخلت الهجمة طوراً جنونيّاً حين ربطت بين هذا التحرّك الشعبي البسيط والمؤامرة الإخوانية ذات الأبعاد الكونية على مصر، حتى وصل الأمر إلى أن جاء تعامل السلطات الأمنية المصرية مع الذين وصلوا إلى القاهرة بتأشيرات وفي وضح النهار أشبه، بل ربما فاق طريقة تعامل الكيان الصهيوني مع وفد السفينة مادلين التي أبحرت في اتجاه شاطئ غزّة قبل أن تقتحمها عناصر الكوماندوز الإسرائيلي وتعتقل من عليها، ثم ترحلهم إلى بلدانهم، وفي ذلك تشير التقارير والشهادات الحقوقية عن مطاردة ومداهمة القادمين من أوروبا إلى القاهرة دعماً لفلسطين إلى إجراءات مروّعة استخدمتها أجهزة الأمن المصرية معهم، سواء من لم يخرجوا من المطار أو الذين نجحوا في الوصول إلى أماكن إقامتهم بالقاهرة.

هذا التجهم الرسمي مع مناصري غزّة تزامن مع وصلات من السخرية والبذاءة والافتراءات انطلقت من المواقع واللجان التي تستخدمها السلطة، راحت تصوّر الأمر وكأن مصر انتصرت على قافلة الصمود الإنساني، الشريرة، وتفرّغت لمهمّتها النبيلة في تسهيل دخول وتأمين آلاف الصهاينة إلى معبر طابا التي تحوّلت إلى ما يشبه مستعمرة صهيونية منذ أسبوعين، بحسب شهادات عاملين في قطاعة السياحة أكّدت تزايداً هائلاً في أعداد الصهاينة المصيّفين في مصر، والذين يدخلون من معبر طابا الحدودي من دون تأشيراتٍ مسبقة.

كان من الممكن للقاهرة أن تكتفي برفض دخول القافلة العربية والمشاركات الأوروبية، وتقول إنها لا طاقة لها بذلك في ظلّ الظروف الحالية، بدلاً من أن تتعقبهم أمنيّاً بقسوة تعيد إلى الذاكرة ممارسات الأجهزة مع الطالب الإيطالي جوليو ريجيني الذي ابتلعته كهوف القاهرة الأمنية في العام 2016 ولا تزال قضيته مفتوحة، بيد أنها اختارت شيطنة القافلة التي لم تتمكّن من الوصول، لكنها أسقطت عن بعد حصاد أكثر من 20 شهراً من الدجل.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى