الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين – خسارة للطرفين

هكذا تستطيع واشنطن وبكين تجنب حرب تجارية شاملة.
كتب هنري بولسون, في واشنطن بوست:
كانت الولايات المتحدة في عام 2008 تكافح أزمة مالية ناجمة عن تجاوزات في النظام المالي، وخلل في التنظيم وإدارة المخاطر، وتهاون خطير تجاه اختلالات الأسواق العالمية وترابطها. واليوم يقلقني أننا نتجه مجدداً نحو أزمة مماثلة؛ أزمة لم تنجم عن هندسة مالية، بل عن انقسام جيوسياسي.
يتعرض الاقتصاد العالمي لضغوط، وتسبب الرسوم الجمركية الجديدة والإجراءات المضادة صدمات غير متوقعة. فمستويات ديون القطاع العام مرتفعة بشكل خطير، بما في ذلك في أمريكا. والديون الإقليمية في الصين مفرطة. وأصبح عدم اليقين، عدو كل سوق وسمة مميزة للعلاقة الأمريكية الصينية.
ويراقب العالم بقلق تطورات الانفصال بين الولايات المتحدة والصين دون خطة واضحة. ولن تزول المخاطر الاقتصادية والمالية إلا بعد أن يجد البلدان سبيلاً لتخفيف التوترات التجارية. ولن يكون هذا سهلاً أو مثالياً أو سريعاً، بل ينبغي أن يتم على مراحل تقلل من المخاطر وعدم اليقين.
إن هذه المخاطر لا يستهان بها، ويجب على الولايات المتحدة والصين، اللتين تمثلان معاً ما يقرب من 35% من الناتج الاقتصادي العالمي، إيجاد سبيل لإدارة المنافسة دون التخلي عن التعاون. ويعاني الاقتصاد الصيني اليوم من مستويات ديون مرتفعة، وسوق عقارات هشة، وانكماش اقتصادي مستمر. ورغم أن الولايات المتحدة ذات اقتصاد متين، إلا أن الصين راسخة في الاقتصاد العالمي ومهيمنة في قطاعات عديدة مما يجعلنا نفترض استمرارها كقوة عالمية. وإذا طال أمد الحرب التجارية، فإن الصين ستقاتل حتى النهاية، ولن يكون هناك فائز، والطرفان خاسران.
وربما تكون إدارة ترامب محقة في تحديها للممارسات التجارية غير العادلة وإعادة التوازن في شروط التعامل؛ حيث يجب علينا حجب التقنيات والمنتجات الضرورية لأمننا الوطني والاقتصادي. لكن غالبية التجارة بين الولايات المتحدة والصين لا تشكل تهديداً أمنياً.
لقد حان الوقت لإقامة علاقة اقتصادية منظمة وقابلة للتنفيذ وتطلعية بين واشنطن وبكين؛ علاقة قائمة على الواقعية، ولكن أيضاً على المسؤولية.
على الرغم من الاختلافات العميقة، لا يزال الاقتصادان الأمريكي والصيني يعتمدان بشكل كبير على بعضهما. فقد تجاوز حجم التجارة الثنائية في السلع 575 مليار دولار في عام 2023. وفي قطاع الخدمات، تحتفظ الولايات المتحدة بفائض يزيد عن 32 مليار دولار. وتُعتبر الصين ثاني أكبر حائز أجنبي لسندات الخزانة الأمريكية، وهي مشترٍ رئيسي للمنتجات الزراعية الأمريكية، وصادرات الطاقة، والصناعات التحويلية عالية القيمة.
سيواصل الحلفاء والدول في أجزاء رئيسية من العالم، بما في ذلك أوروبا وجنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا والشرق الأوسط، التعامل التجاري مع الصين. وشركاتنا معرضة لخطر أن تُعامل كشركاء غير موثوقين، وتُستبعد من سلاسل التوريد العالمية، وتفقد القدرة على وضع معايير الصناعة والمنتجات.
وعلاوة على ذلك، تمتلك بكين أدوات ضغط قد تفرض تكاليف حقيقية على الولايات المتحدة، بما في ذلك تقييد الوصول إلى المعادن الأساسية، وإبطاء الواردات الزراعية، وتعطيل سلاسل التوريد الأساسية، أو تقليص حيازات سندات الخزانة.
ومع ذلك، يمكن لاتفاقية الإطار الاستراتيجي أن تشكّل خارطة طريق لمنافسة اقتصادية متوازنة ومفيدة. ففي نهاية المطاف، يجب على الصين زيادة استهلاكها، مما يتيح فرصاً للشركات الأمريكية. ويجب على الولايات المتحدة أيضاً تقليل إنفاقها واقتراضها، وإعادة بعض الصناعات الحيوية إلى الوطن.
ينبغي أن تبدأ المفاوضات ببعض تدابير بناء الثقة. وكخطوة أولى، ينبغي على الصين أن تتفق مع الولايات المتحدة على تعليق فرض الرسوم الجمركية المتبادلة لمدة 90 يوماً. كما ينبغي على الصين حظر تصدير المواد الأولية للفنتانيل، وتعيين مبعوث خاص للعمل مع الولايات المتحدة لوقف انتشار الفنتانيل غير المشروع. وينبغي على واشنطن إلغاء الرسوم الجمركية البالغة 20% التي فُرضت في فبراير ومارس على الصين لعدم منعها “تدفق الفنتانيل وغيره إلى بلادنا”.
ستُمكّن هذه الخطوات الرئيسين من إجراء مناقشات مثمرة حول مسارٍ مستقبلي. ويمكن للتفاعل الرئاسي أن يعيد ضبط النبرة، ويحدد الأولويات، ويوجّه التعاون الحقيقي، حتى في خضمّ التنافس الاستراتيجي. فلدى الرئيسين ترامب وشي فرصة لبدء حوار تاريخيٍ لإعادة التوازن الاستراتيجي، حيث سيتفقان على الاجتماع مرة واحدة سنوياً على الأقل في قمة رئاسية، والتحدث بانتظام لتوجيه العلاقة.
ينبغي أن يكون الفصل التالي هو تنفيذ الالتزامات بموجب اتفاقية التجارة لعام 2020 التي وقعتها الولايات المتحدة والصين، والتي ستشمل زيادة مشتريات الصين من المنتجات الزراعية والطاقة والخدمات الأمريكية. كما ينبغي إنشاء مجموعة عمل للاستقرار المالي، مهمتها رصد نقاط الضعف المالية والاقتصادية في أسواقنا المحلية والعالمية، والتنسيق خلال ضغوط السوق، وتحسين الشفافية.
بعد ذلك، يمكن للزعيمين معالجة قضايا هيكلية أعمق، مثل اختلال التوازن في الإنتاج والاستهلاك، والاستثمار المفرط في بعض الصناعات، والدعم الحكومي، والتجارة والوصول إلى الأسواق، وحماية الملكية الفكرية القابلة للتنفيذ، وأنظمة الاستثمار الشفافة.
وينبغي أن يبني هذا الفصل نظاماً تعاونياً لتجارة المعادن الأساسية، بينما تقوم الولايات المتحدة بتنويع مصادرها. ومن شأن مسار عمل آخر أن يحدد القطاعات غير الحساسة التي ينبغي تشجيع تدفقات رأس المال عبر الحدود فيها.
لن تزيل هذه الإجراءات التوترات، لكنها قد تقلل من احتمالية سوء التقدير، وتعزز قدرة الأسواق على التنبؤ، وتقلل من المخاطر المالية، وتخفف من الضرر الاقتصادي، وتعالج أوجه عدم المساواة. ونأمل أن يمهد هذا الطريق لمعالجة القضايا الهيكلية والاختلالات العميقة الجذور.
كما ينبغي أن لا يكون الهدف العودة إلى الماضي، بل ينبغي أن يكون إدارة المخاطر، ووضوح السوق، والتعاون المنظم في مجالات محددة. وسنظل متنافسين اقتصادياً بأهداف أمنية متضاربة. فالمشاركة الاستراتيجية ليست علامة ضعف، بل هي مقياس للقيادة، وهي في صالح أمريكا.