رأي

الحرب الاقتصادية في الضفة.. خسائر مدمرة وكارثية

المدنيون هم من يدفع ثمن الحروب، عسكرية كانت أو اقتصادية، وعندما تحدث حرب مزدوجة يصبح الجميع في مهب الريح فتتوقف الحياة ليظل الجوع والمرض شبحا يهدد الأهالي كل يوم وكل دقيقة

كتب عبدالباري فياض, في “العرب”:

الحرب على غزة ألقت بظلالها على سكان الضفة الغربية، فلم يتوقف الأمر عند حد القتل أو اعتقال الشباب والنساء والشيوخ وحتى الأطفال، بل امتد ليضرب اقتصاد الضفة، التي من المفترض أن تكون هادئة، في مقتل.

الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية بالتأكيد تأثر بالحرب على غزة، فبسبب إجراءات الاحتلال في التضييق على الشعب الفلسطيني تم إغلاق محال كثيرة وتوقفت المشروعات المتوسطة والصغيرة ووقفت عملية الاستيراد والتصدير، وكذلك طال الأمر وضع التجار والصناع وأصحاب الحرف وأيضا المزارعين والعمال الذين أوقفت إسرائيل تصاريح عملهم داخلها واستبدلتهم بعمالة هندية وأجنبية.

قبل الحرب على غزة التي تلت عملية طوفان الأقصى كان مئات الزوار والمتسوقين يمرون يوميا على الأسواق التي عاشت حالة من الانتعاش النسبي في ظل فتح معبر الجلمة لتنشيط عملية التجارة والبيع والشراء وبالتالي انتعاش حياة المدنيين، لكن بعد السابع من أكتوبر شن الاحتلال حربا وحملة واسعة ضد كل هذه المجالات الاقتصادية، ما كبد جنين خسائر مدمرة وكارثية، شملت كافة القطاعات وانعكست على حياة الناس والأوضاع التجارية والاقتصادية والزراعية والصناعية، حتى تحولت المنطقة الصناعية في مدينة جنين إلى منطقة أشباح.

وسجلت خسائر جنين بسبب عقوبات الاحتلال المفروضة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي أكثر من 3 مليارات دولار، بينما اعتبرت محافظة جنين منطقة منكوبة على كافة البلدات، وعلى الرغم من هذه المآسي مازال الاحتلال الإسرائيلي يواصل حملة انتقام وتدمير لكل مقومات الحياة التي تعيل مئات المواطنين، ومازالت القيود والإجراءات تسبب الكوارث في الأسواق التي أصبحت منطقة مهجورة، فسياسات الاحتلال تكبد جنين خسارة تتجاوز الـ10 ملايين شيكل يوميا (الدولار يساوي 3.67 شيكل).

◄ الاحتلال الإسرائيلي يريد القضاء على الاقتصاد الفلسطيني وخاصة التجارة في جنين المستهدفة بسبب مقاومتها للاحتلال حتى قبل طوفان الأقصى بفترة طويلة لتشل الحياة ويصبح الموت هو المصير الوحيد أمام الفلسطينيين

وبلغة الأرقام كشفت إحصائية رسمية أن هناك أكثر من 25 ألف عامل في محافظة جنين فقدوا عملهم في الداخل الفلسطيني بشكل رسمي، وتم تسجيل خسائر بقيمة 200 مليون شيكل شهرياً، بجانب الخسائر الناجمة عن الإغلاق ومنع فلسطينيي الداخل من الوصول إلى جنين، والتي تتجاوز قيمتها الـ15 مليون شيكل شهرياً، إضافة إلى المشاكل في رواتب الموظفين، وتوقف القطاع الخاص والزراعة والحظر، وهو ما أثّر على رواتب العاملين في هذه القطاعات.

أوضاع التجار في جنين تسوء يومًا بعد يوم، بسبب تدهور الوضع الأمني ​الذي أدى إلى إغلاق معبر الجلمة منتصف الأسبوع في ظل مخاوف أن يمتد إغلاقه إلى نهاية الأسبوع أيضًا، ما قد يؤدي إلى تقويض الاقتصاد الفلسطيني. وما بين الحصار والإغلاق والبطالة تضخمت الضغوط الاقتصادية حتى باتت تعصف بمحافظة جنين ومناطق كثيرة في الضفة الغربية، فيبدو أنه بالموازاة مع الحرب العسكرية في الضفة هنالك حرب اقتصادية تجرى لقتل الشعب الفلسطيني ببطء.

ومن الواضح أن المدنيين دائما هم من يدفع ثمن الحروب، عسكرية كانت أو اقتصادية، وعندما تحدث حرب مزدوجة (عسكرية وسياسية) يصبح الجميع في مهب الريح، فتتوقف الحياة ليظل الجوع والمرض شبحا يهدد الأهالي كل يوم وكل دقيقة.

الجميع هنا في الضفة الغربية يعانون وقد ازدادت الأزمة مع استمرار الإغلاق والقيود الإسرائيلية، فتراجعت عملية البيع والشراء لتصل إلى مستوى الصفر وتكدست البضائع وأغلقت المتاجر وجاع الناس دون منقذ.

ويبدو أن الاحتلال الإسرائيلي يريد القضاء على الاقتصاد الفلسطيني وخاصة التجارة في جنين المستهدفة بسبب مقاومتها للاحتلال حتى قبل طوفان الأقصى بفترة طويلة لتشل الحياة ويصبح الموت هو المصير الوحيد أمام الفلسطينيين، في ظل استمرار تضييق أفق الحياة أمام هذا الشعب المسكين.

ويجب على إسرائيل إعادة النظر في حقوق الشعب الفلسطيني في الحياة، وإعادة فتح معبر الجلمة الذي يعتبر إغلاقه جريمة حرب جديدة تضاف إلى سجلها الإجرامي في حقوق الشعب الفلسطيني.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى