كتب السيد أمين شبلي : على الرغم من الخطاب الصينى المتكرر فيما يتعلق بتايوان، والذى ذهب فيه الرئيس الصينى تشى شينبنج خلال الأزمة الأخيرة التى ولدتها رئيسة مجلس النواب الأمريكى لتايوان، إلى أن الصين يمكن أن تذهب إلى استخدام القوة فى تأكيد أن تايوان جزء من الصين ومفهوم الدولة الواحدة، على الرغم من هذا الموقف، لا يكاد المتابع للشؤون الصينية أن يرى خطابًا صينيًا متشددًا تجاه أى من القضايا الدولية أو الإقليمية، خاصة دول الجوار فى المحيط الهادى والباسيفى، والمتابع لمسار صعود الصين على مدى الثلاثين عامًا الماضية ومنذ أن أطلق الزعيم التاريخى الصينى الثانى دنج تشاو بنج عملية انفتاح الصين، سوف يلاحظ أن هذه العملية قد تلازم معها مفهوما «التنمية والسلام».
بعملية التنمية التى تقدم عليها الصين تحتاج إلى بيئة دولية وإقليمية سلمية ومستقرة، هذا المفهوم بلورة مؤتمر الحزب الشيوعى الصينى عام 2016 م فى عبارة «العالم المتناسق» Harmonious World.
بل إن أصول هذا المفهوم تعود إلى عهد الزعيم الصينى هو جينتاو فى عام 2005 فى خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة حين قال: «إننا يجب أن ندعم الحوار بين الثقافات المختلفة من خلال البحث عن التنمية المشتركة وأن نفعل أفضل ما عندنا لتصفية الشك المتبادل وسوء الفهم حتى يعيش العالم فى تناسق ويصبح أكثر تنوعًا…».
وهكذا انتقلت الصين من عهد ماو من «فلسفة الصراع» إلى «فلسفة التناسق»، وهى الفلسفة التى كانت عاملًا أساسيًا فى انفتاح الصين على العالم الخارجى ومستويات التنمية التى حققتها.
وسط هذا تبرز علاقة الصين بروسيا الاتحادية كإحدى العلامات الرئيسية فى سياسة الصين الدولية، خاصة مع القوى الكبرى، فبعد انتقال العلاقات من الصدام والمواجهة فى العهد السوفيتى، إلى الشراكة الاستراتيجية عام 1997م، حتى بلغت قمتها عندما أعلن كل من تشى جينينج وفلادمير بوتين أن علاقات القوتين هى علاقات «أبدية»، وكان ذلك قبل أسابيع من الحرب الروسية الأوكرانية، جاء هذا التطور لكى يمثل اختبارًا لعلاقات القوتين ولمفهوم «العلاقة الأبدية» بشأن كل ردود الفعل الصينية تجاه المشكلات والأزمات الدولية والإقليمية الكبرى التى تتسم بالحذر والترقب، كادت أن تكون كذلك تجاه العملية العسكرية الروسية.
بداية بدأ الموقف الصينى مؤيدًا لروسيا، كما بدا فى تصويت مجلس الأمن على إدانة روسيا، إلا أن هذا كان مدفوعًا بالاعتقاد أن روسيا سوف تحسم الأمر على الأرض لصالحها.
غير أنه مع تعثر العملية العسكرية الروسية، وحجم وتصميم الدعم الأمريكى والأوروبى لأوكرانيا، بدا الأمر أكثر تعقيدًا بالنسبة للقيادة الصينية، خاصة مع الضغوط الأمريكية الضخمة على الصين بالامتناع عن التدخل لصالح روسيا خاصة عسكريًا، ولم يتضح فعلًا أن الصين قد قدمت أى دعم عسكرى لروسيا، وربما كان هذا وراء ما عبر عنه بوتين فى لقائه مع الرئيس الصينى فى قمة شنغهاى عندما شكره على «الموقف المتوازن» للصين، وهو تعبير قد يحمل معنى الحياد.
وقد ازداد الأمر تعقيدًا حين بدأ بوتين يلوح باستخدام أسلحة نووية، وهو ما جعل التصريحات الصينية تعبر عن «القلق»، ويجعل الرئيس الصينى ينصح بوتين «أن روسيا كقوة عظمى يجب أن تساهم فى الاستقرار العالمى»، ومؤخرًا شارك بوتين ضيفه المستشار الألمانى «التحذير» من أخطار استخدام الأسلحة النووية، وربما كانت هذه النصيحة هى التى جعلت بوتين ووزير خارجيته ينفيان نية روسيا استخدام السلاح النووى.
فى رسالة أخيرة للرئيس الصينى إلى إحدى مؤسسات العلاقات الأمريكية الصينية فى نيويورك، قال الرئيس الصينى: «كقوى عظمى فإن تعزيز الاتصال والتعاون بين الصين والولايات المتحدة سيساعد على زيادة الاستقرار واليقين العالمى وتعزيز السلام والتنمية فى العالم».
وخلال جلسة وزارية فى مجلس الأمن يشدد وزير الخارجية الصينى على احترام السيادة الإقليمية للدول، وعلى أهمية دعوة الأطراف إلى حوار دون شروط مسبقة، كما أكد أن الصين تلتزم موقفًا عادلا وموضوعيًا من الأزمة.
ولا يقتصر حرج الموقف الصينى على خصوصية العلاقات مع روسيا، لكن تواجه تحديًا مع أوكرانيا التى تلعب دورًا مهمًا فى مشروع الصين ومبادرة «الحزام والطريق» فهى جزء من ممر النقل الأوراسى. ورغم هذا الحذر والموقف «المتوازن» إلا أن الصين، فى نهاية الأمر، لا تود، وربما لن تسمح، أن «تنكسر» روسيا، لأن هذا يعنى بقاء الصين دون شريك أو حليف رئيسى، وأن أمريكا والغرب سوف تتفرغان لمواجهة الصين.
من ناحية أخرى، ورغم التصريحات الأمريكية التى تراها بكين معادية، فثمة إشارات أن البيت الأبيض يعد لعقد قمة بين تشى وبايدن خلال قمة العشرين المقبلة، ويفسر سعى البيت الأبيض لهذا اللقاء إلى أنه قد يكون فرصة لتخطى التوترات التى شابت العلاقات خلال الشهور الماضية.
فى كل الحالات، سيكون الخط الحاكم للسياسة الخارجية الصينية- بعد تأكيد مواقفها المبدئية- هو الحرص على بيئة عالمية وإقليمية سلمية تراها أساسية فى دعم واستمرارية عملية التنمية الكبرى التى شرعت فيها الصين، وكان الانفتاح على العالم والنظام الاقتصادى العالمى ومنظماته إحدى آلياته الأساسية.