رأي

الحرب الأوكرانية.. والتهديدات «النووية»

كتب محمد السعيد إدريس, في “الخليج”:

بعد مضي أكثر من عامين ونصف العام على تفجر الحرب الأوكرانية التي لم يستطع فيها أي من الطرفين الروسي والأوكراني فرض إرادته السياسية على الآخر وتحقيق الانتصار الذى يطمح إليه، يبدو أن هذه الحرب باتت أمام مستقبل شديد الخطورة في ظل تطورات تأخذ بها نحو الهاوية.
أبرز هذه التطورات اتخاذ الحلفاء الغربيين، خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، قراراً يعطي الضوء الأخضر للقوات الأوكرانية باستخدام أسلحة متطورة جرى إمداد أوكرانيا بها في ضرب العمق الروسي وخاصة صواريخ «أتاكمز» الأمريكية و«ستورم شادو» البريطانية بعيدة المدى لضرب العمق الروسي، ورد روسيا على هذه الخطوة بالتهديد باستخدام أسلحة نووية تكتيكية لضرب أوكرانيا والحلفاء.
اللقاء المنتظر خلال هذه الأيام بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء البريطاني الجديد (زعيم حزب العمال) كيرستارمر، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، سوف يحسم هذا الاحتمال الخطير.
الأرجح أن يجدد الزعيمان الأمريكي والبريطاني ترددهما في اتخاذ مثل هذا القرار على نحو ما سبق أن حصل في لقائهما السابق، حيث اضطرا إلى تأجيل القرار لمدة أسبوعين، وإعادة بحثه مرة أخرى بينهما أثناء لقائهما المتوقع على هامش مشاركتهما في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة وبعد توسيع دائرة التشاور مع قادة دول أخرى في حلف شمال الأطلسي «الناتو».
التردد الأمريكي – البريطاني عن اتخاذ قرار إعطاء الضوء الأخضر للقيادة الأوكرانية بضرب العمق الروسي بأسلحة غربية (صواريخ بعيدة المدى أمريكية وبريطانية) كان سببه المباشر التهديد الذي وجهه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل يوم واحد من لقاء بايدن مع ستارمر يوم التاسع من الشهر الحالي، وهدد فيه باستخدام أسلحة نووية تكتيكية ضد أهداف استراتيجية أمريكية وبريطانية، وقال في هذه التهديدات «إن أي استخدام أوكراني لصواريخ (أتاكمز) الأمريكية و(ستورم شادو) البريطانية بعيدة المدى ضد أهداف في العمق الروسي يعني دخول حلف «الناتو» بشكل مباشر إلى ميدان الحرب ضد روسيا، وتغيير طبيعة الصراع بالتالي». وجرى تسريب أنباء تقول إن الرد على هذا التطور الخطير سيتمثل في تفعيل العقيدة النووية للجيش الروسي، بداية بإجراء تجارب نووية للمرة الأولى منذ عام 1990، واستخدام قنابل تكتيكية، وربما تسليح جميع الدول والحركات الشرق أوسطية المعادية للولايات المتحدة بأسلحة دفاعية وهجومية متطورة.
الرئيس الروسي كان أكثر وضوحاً، ففي لقائه مع وسائل إعلام حكومية، أعلن بوتين أن «هذه الخطوة ستعني أن «الناتو» بات في حالة حرب مع روسيا، وحينها سنتخذ نحن الإجراءات المناسبة». وفسر بوتين ذلك بقوله إن مثل هذا القرار «لا يعني ما إذا كان يسمح لنظام كييف أم لا بضرب أهداف على الأراضي الروسية، فهذا ينفذ بالفعل، حيث يجري استخدام مركبات جوية من دون طيار ووسائل أخرى في ضرب العمق الروسي، لكن استخدام أسلحة غربية دقيقة وبعيدة المدى هو قصة مختلفة تماماً». وزاد في تفسيره للفارق بين الأمرين أن «الجيش الأوكراني غير قادر على استخدام أنظمة متطورة عالية الدقة بعيدة المدى يوفرها الغرب، العسكريون الأوكرانيون لا يمكنهم فعل ذلك، ومن المستحيل استخدام هذه الأسلحة من دون بيانات استخباراتية من الأقمار الصناعية التى لا تملكها أوكرانيا، لا يمكن القيام بذلك إلا باستخدام الأقمار الصناعية التابعة للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وحلف الناتو».
الاستخلاص المهم للرئيس بوتين من تلك المعلومات أن الأمر لا يتعلق فقط بالسماح للنظام الأوكراني بضرب روسيا بهذه الأسلحة المتطورة أم لا، بل الأمر يتعلق بتحديد ما إذا كانت دول «الناتو» ستشارك، بشكل مباشر، في الصراع العسكري أم لا؟
هذا السؤال طرحه الرئيس بوتين قبيل ساعات من قمة بايدن مع كير ستارمر في واشنطن، وقال «إذا تم اتخاذ هذا القرار فلن يعني ذلك سوى المشاركة المباشرة ل «الناتو» في الحرب. وهذا يعني أن دول «الناتو» والولايات المتحدة والدول الأوروبية تعتبر أطرافاً في الحرب وأضحت في حالة حرب مع روسيا وإذا كان الأمر كذلك، فمع الأخذ في الاعتبار التغيير في جوهر الصراع سنتخذ القرارات المناسبة رداً على التهديدات التى ستفرض علينا».
ديمتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن القومي، كان أكثر وضوحاً وتحديداً في التعريف بالرد الروسي المحتمل على هذا التطور في تصريح له يوم لقاء بايدن مع كير ستارمرالأخير، إذ توعد فيه بتدمير كييف بالكامل، أما سيرجي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي، فكان أشد صرامة في كلمته على هامش القمة الإعلامية لمجموعة «بريكس» (موسكو 14/9/2024) بقوله «سنرد بشكل كاف على هذا الأمر.. يوجد خطر كبير لأن الأعداء في واشنطن ولندن والأماكن الأخرى يقللون من خطورة اللعبة التي بدأوها»، وتابع «فليتخذوا أولاً خطوة في هذا الاتجاه وسيتلقون رداً شاملاً».
كيف سيكون الرد الأمريكي – البريطاني المنتظر؟
سيحدد هذا الرد معالم انحراف الصراع في أوكرانيا نحو الهاوية.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى