الجهوزيّة الغائبة لتفعيل الحوار بنتائج ملموسة
كتب مجد بو مجاهد في “النهار”: “العلاج بالمسكّنات” كان أكثر ما توصّلت إليه الطاولات الحوارية التي عُقدت بين المكوّنات السياسية اللبنانية انطلاقاً من مرحلة ما بعد الـ2005. هذه الخلاصة متوافق عليها بين غالبية الأطراف التي سبق أن شاركت في حلقات الحوار، بدءاً من الجلسات المتتالية التي عقدت في المجلس النيابي عام 2006 وانتهت بالاتفاق على خفض الاحتقان السياسي وانتخاب رئيس “توافقيّ”. ولم تتوصّل الطاولة الحوارية يومذاك إلى نتائج على صعيد الملفات الكبرى التي بُحثَت كعناوين أساسية، وفي طليعتها الاستراتيجية الدفاعية وترسيم الحدود اللبنانية – السورية. حتى أنّ التهدئة السياسية لم تستمرّ طويلاً على وقع “زخّات” الاغتيال والافتراق في الآراء حول المحكمة الدولية. ثمّ عُقد مؤتمر سان – كلو بحضور عددٍ من الشخصيات اللبنانية من دون التوصّل إلى نتائج محسوسة. تصاعد منحى التوتّر الأمني وصولاً إلى نيران السابع من أيار 2008، الذي تبعها مؤتمر الدوحة بحيث حصل اتفاق على انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية وإجراء الانتخابات النيابية. بقيت العناوين التي شكّلت محلّ بحثٍ ووصول إلى نتائج طيلة السنوات، محصورة بالمسائل البديهية التي تحوّلت إجراءات ترقيعية لتمرير استحقاقات دستورية بعد تأجيلها. أمّا العناوين الكبرى انطلاقاً من “الاستراتيجية الدفاعية” فبقيت زينة على طاولة الاجتماعات. ونشط الحوار عام 2012 مع التوصّل إلى “إعلان بعبدا” الذي لم يطبّق لناحية النأي بالنفس. وفي حزيران 2020، مضى اللقاء الحواري الذي دعا إليه رئيس الجمهورية ميشال #عون من دون نتائج.
تتكرّر الدعوة إلى الحوار عام 2021 بالمعدّات والعناوين نفسها: الاستراتيجية الدفاعية والنأي بالنفس. فهل ثمة جهوزية لتلبية النداءات والدخول في حوار جديد؟ تشير المعطيات إلى أنّ ما أحدث نوعاً من التساؤلات المُستَغربة على صعيد مقاربة “الثنائي الشيعي” بُعَيد كلمة رئيس الجمهورية لم يكن عنوان “الاستراتيجية الدفاعية” التي دعا إليها، بل مصطلح “اللامركزية المالية” التي أضيفت إلى “اللامركزية الإدارية الموسّعة”، مع الإشارة إلى أنّ اتّفاق الطائف نصّ على الثانية لكنّه لم يتطرّق إلى الأولى. وعُلم أنّ أجواء “الثنائي” وضعت دائرة حول عنوان “اللامركزية المالية” باعتباره يحمل تأويلات بما فيه مؤشرات انفصال، في وقت يختلف اللبنانيون على السياسة الخارجية والاستراتيجية الدفاعية. وتلفت الأجواء التي انبثقت عن مقاربة “الثنائي” بعد المواقف التي أعلنتها الرئاسة الأولى إلى تأييد فكرة الحوار التي سبق أن دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري، مع البحث عن توقيت مناسب وغير صدامي لانعقاد طاولات حوارية جديدة وتحديد أهدافها للوصول إلى نتائج. ولا تؤشّر هذه الأجواء إلى أنّ عقد طاولة حوار سيترجم في القريب العاجل، خصوصاً في مرحلة التفرّغ للتحضيرات الانتخابية.
لعلّ العنوان الأبرز الذي يبقى مترافقاً مع كلّ دعوة حوارية هو الاستراتيجية الدفاعية. ماذا تغيّر اليوم وسط تباينات داخلية لم تتبدل حول تعريف للمصطلح أيضاً؟ يشير رئيس هيئة الأركان سابقاً في قوى الأمن الداخلي البروفسور أمين صليبا لـ”النهار” إلى أنّ “الاستراتيجية الدفاعية تعني أن يكون قرار السلم والحرب في يد مجلس الوزراء مجتمعاً. وإذا لم تترجم الاستراتيجية الدفاعية من خلال تسليم السلاح، فإنها تكون بمثابة ضحك على الذات. فهل يقبل “#حزب الله” التنازل عن قرار الحرب والسلم لمصلحة مجلس الوزراء والاتفاق حول هذه المعادلة؟ وأيّ استراتيجية دفاعية في ظلّ سلاح “حزب الله” الذي يفوق قدرات سلاح جيوش المنطقة وخارج عن نطاق سلطة الدولة؟”، مشيراً إلى أنّ “الحوار بمثابة عنوان فضفاض، لكن هل يمكن الوصول إلى نقاط التقاء؟ المطلب الحواري بما فيه التوصّل إلى استراتيجية دفاعية سيذهب صداه من دون نتائج، وسط حال التباعد وتمسّك الأضداد السياسيين بمقاربتهم. وهذا ما يحوّل الدعوات الحوارية إلى عملية شراء وقت إضافيّ. ولا يمكن إغفال أنّ الجيش لا يملك الخبرات التقنية والمعدّات التي في حوزة “الحزب”، بما يحتّم الحاجة إلى فريق تقنيّ يساهم في مساعدة العناصر على استخدام الأسلحة في حال التسليم بالتخلي عن السلاح”.
ومن جهته، يرى الخبير العسكري والاستراتيجي العميد المتقاعد أمين حطيط عبر “النهار” أنّ “الإجابة عن معنى الاستراتيجية الدفاعية تتمثّل في عدّة أسئلة: ما الأخطار التي تتهدّد الكيان؟ كيف التعامل مع هذه الأخطار بين المواجهة أو الاستسلام؟ ما الإمكانات والقدرات للتعامل مع الأخطار؟ وتُعتبر أركان الاستراتيجية الدفاعية محدّدة، وليست كلمة عابرة. ولذلك تحتاج إلى حوار. وليس ثمة اتفاق على هوية العدوّ والصديق في لبنان، بما يعني أنّ أكثر ما يحتاج حواراً طويلاً وقراراً جامعاً هو الاستراتيجية الدفاعية التي سبق أن تناولتُ تفاصيلها التطبيقية 400 صفحة. لكن، هناك من يظنّ أنّ مصطلح الاستراتيجية الدفاعية ينتهي بمقابلة تلفزيونية”. ويخلص حطيط إلى أنّ “التجربة اللبنانية مع الحوار منذ 2006 لا تعتبر منتجة، على الرغم أنّها ساهمت في تبريد الأجواء ومنعت الانفجار. لكن، لم يسبق أن تمّ التوصّل إلى حلول. ولا بدّ من الاتفاق على صيغة تطبيقية حول كيفية تنظيم طاولة الحوار ومدى الالتزام بها. فإذا كان الحوار تبادلاً للرأي شيء، وإذا كان سيتحوّل إلى مؤتمر وطنيّ مع إشراك النخب الفكرية والمكوّنات الوازنة، ويتمّ التأكيد مسبقاً على إلزامية قراراته شيء آخر. أو تتحوّل الجلسات إلى مضيعة للوقت. وفي الموسم الانتخابي، الناس تبتعد عن بعضها بعضًا للعمل على تجميع الأوراق التنافسية وشدّ العصب”.