رأي

الجزائر والهند بعيدًا عن روسيا، قريبا من الولايات المتحدة

كتب صابر بليدي, في “العرب” :

ما يجمع الجزائر والهند في الظرف الراهن أن الأولى شعرت بخذلان روسي بدأ بدور مزعج للدور الجزائري في منطقة الساحل وانتهى بعدم وفاء لملف الانضمام إلى مجموعة بريكس.
لم تعد نوايا الجزائر والهند لفك الارتباط التاريخي مع الروس في مجال الدفاع والتسليح خفيّة على المتابعين والمهتمين، ففيما أبرم البلدان منذ عدة أشهر مذكرة تفاهم بينهما في المجال المذكور، فقد قضى الوزير المنتدب للدفاع الجنرال سعيد شنقريحة أياما في نيودلهي بين مشاورات وتفقد لمؤسسات التصنيع العسكري وتكنولوجيات الدفاع، ويجري وزير الإنتاج الدفاع الهندي سانجيف كومار جولة مماثلة بنفس الغرض والأجندة في الولايات المتحدة.

ويبدو أن البلدين باتا أبعد عن شراكتهما التاريخية مع الروس أكثر من أيّ وقت مضى، وأقرب إلى السوق الأميركية المتطورة، وهي معادلة تطرح خلفية تقاربهما العسكري والبحث عن معدات وتسليح متطور يواكب طموحاتهما لتنويع وتوسيع شراكتهما العسكرية، حتى ولو كان الأمر بالنسبة إلى الجزائر مرورا عبر المحطة الهندية، بينما المصدر الأول هو الولايات المتحدة.

القيادة العسكرية في الجزائر تؤكد من خلال انفتاحها على مختلف الأسواق العسكرية عن رغبتها في الاستفادة المعرفية واللوجيستية من مختلف المدارس، لقناعة ترسخت لديها بأن نمط الحصرية والتبعية لا يمكن أن يفيد الجيش الجزائري في مواكبة مختلف التطورات التكنولوجية والعلمية التي تحظى بها مدارس التسليح والدفاع، ولذلك أبرمت اتفاقين متزامنين مع الولايات المتحدة ومع الهند.

◄ بغض النظر عن حاجيات الجيش الجزائري من السوق الهندية، أو من الأسواق الأميركية والروسية والأوروبية، فإن طبيعة شؤون الدفاع والتسليح وتقاليدهما تجعلان الشراكات مرتّبة حسب كمّ الصفقات المبرمة ونوعيتها

ولا يستبعد أن تتجسد الاتفاقيتان في الإعلان عن إبرام صفقات متنوعة في المدى القريب والمتوسط، لاسيما وأن الجزائر تملك من الإمكانيات المالية ما يكفل لها الحصول على ذلك، فهي ترصد في السنوات الأخيرة موازنات توصف بـ”الضخمة” لفائدة شؤون الدفاع والتسليح، الأمر الذي يجعلها زبونا موثوقا.

وبين متطلبات خيار التنويع والتوسع وبين تقاليد أسواق التسليح والدفاع تجد الجزائر نفسها في لعبة فك تعقيدات إبرام الشراكات المختلفة والاختيار بين مزوديها، فحتى في ذروة هذا التوجه لا يمكن الاستغناء تماما عن السوق الروسية، بالنظر إلى الصفقات المبرمة وبين خصوصيات السوق الروسية المحافظة على صلاحيتها وقدرتها التنافسية في بعض المجالات، رغم العبء الذي تركته الحرب على أوكرانيا خلال السنوات الأخيرة.  

السلاح وتكنولوجيات الدفاع يبقيان من المنتجات الإستراتيجية المتأثرة بلعبة التوازنات الجيوسياسية، وقد يبدو أن الدور الروسي في منطقة الساحل ألقى بظلاله على العلاقات التاريخية مع الجزائر وعلى التعاون العسكري الحصري بينهما، وهو ما يضعه المختصون في لائحة الأسباب التي تدفع بالجزائر إلى عدم ربط جيشها بمدرسة معينة، ويحضها على البحث عن شراكات أخرى، حتى ولو كانت تنطوي على تعقيدات متصلة، كأن تكون يدا ثانية في منتج معين، بينما حصرية اليد الأولى تذهب إلى جهات أخرى. 

ما يجمع الجزائر والهند في الظرف الراهن أن الأولى شعرت بخذلان روسي بدأ بدور مزعج للدور الجزائري في منطقة الساحل، وانتهى بعدم وفاء لملف الانضمام إلى مجموعة بريكس في قمة جوهانسبورغ في صيف العام 2023، أما الثانية فهي على صراع دائم مع موسكو رغم سقف بريكس الذي يجمعهما، ولذلك فإنه لا ضير لهما بحثا عن مصالحهما بعيدا عن روسيا وقريبا من الولايات المتحدة.

◄ بين متطلبات خيار التنويع والتوسع تجد الجزائر نفسها في لعبة فك تعقيدات إبرام الشراكات المختلفة والاختيار بين مزوديها، فحتى في ذروة هذا التوجه لا يمكن الاستغناء تماما عن السوق الروسية

ويبدو أن الموقع الجغرافي للبلدين يدفع قيادتي البلدين إلى إرساء ترسانة عسكرية ودفاعية حماية لمصالحهما، فالهند مترامية الأطراف في القارة الآسيوية، على مساحة تفوق الثلاثة ملايين كلم مربع وحدود برية وبحرية مع عشر دول، تأتي على رأسها الصين وباكستان وأفغانستان، تشابه كثيرا الجزائر المترامية هي الأخرى في شمال أفريقيا على مساحة تفوق مليوني كلم مربع، وتربطها ستة حدود برية أغلبها صحراوية على مسافة تفوق ستة آلاف كلم، الأمر الذي يجعل حاجة نيودلهي والجزائر ملحة لتأمين مصالحهما الإستراتيجية.

وبغض النظر عن حاجيات الجيش الجزائري من السوق الهندية، أو من الأسواق الأميركية والروسية والأوروبية، فإن طبيعة شؤون الدفاع والتسليح وتقاليدهما تجعلان الشراكات مرتّبة حسب كمّ الصفقات المبرمة ونوعيتها، وطبيعة العلاقات التي تربط الموقّعين عليها، ولذلك فإن زيارة الوزير المنتدب للدفاع الجزائري إلى الهند استغرقت وقتا معتبرا من المشاورات والتفقد، رغم علمه أن السوق المقصودة لا يمكن أن توفر كل رغبات الجيش الجزائري، فبينما كان هو في نيودلهي، كان وزير الإنتاج الدفاعي الهندي سانجيف كومار في واشنطن لنفس الغرض.

منذ سنوات كانت الأصوات تتصاعد في الجزائر من أجل كسر التبعية العسكرية للروس، وضرورة الانفتاح على مختلف التجارب والمدارس العسكرية والدفاعية في أميركا وآسيا وأوروبا، لأن المتطلبات الدفاعية وتطور المخاطر الإستراتيجية باتا يحتمان على الجزائر الاستعانة والاستفادة من مختلف الخبرات والتجارب الكفيلة بتأمين المصالح الإستراتيجية للبلاد، فقد كانت تجربة الشريك التقليدي الروسي في الحرب الأوكرانية كافية لتعزيز خيار الجزائر لتوسيع تعاونها العسكري وتنويعه مع شركاء جدد.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى