رأي

الجدل حول القوات الأمريكية في سوريا

كتب إلياس خوري, في “الخليج” :

في الشهر الماضي، نشرت مجلة «فورين بوليسي» تقريراً أثار الجدل حول سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وزعمت أن «إدارة بايدن تعيد النظر في أولوياتها» في سوريا، وقد تقوم «بسحب كامل للقوات الأمريكية». والآن، تناقش وسائل الإعلام القديمة مستقبل التدخل الأمريكي في سوريا. وما يغيب عن هذه المناقشة هو المعاناة التي سببها هذا التدخل.

وفي مقال لصحيفة «نيويورك تايمز»، حذر الجنرال المتقاعد كينيث ماكنزي من أنه «لم يحن الوقت لمغادرة قواتنا» سوريا. ويرى أن مجرد الحديث عن الانسحاب (ناهيك عن الانسحاب الفعلي) «يضر بشكل خطير بمصالح الولايات المتحدة». وهو «يعطي طهران الأمل» في أن إيران قد تنافس النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط وهو من المفترض أمر سيئ. ومن غير الواضح لماذا تتمتع إيران بحق التأثير على منطقتها بشكل أقل من حق الآخرين وهم على بعد آلاف الأميال.

ويقول ماكنزي أيضاً إن القوات الأمريكية يجب أن تبقى «لتأمين السجون التي تحتجز مقاتلي داعش». ومن دون وجود قوات على الأرض، قد يهرب المتشددون ويمكن للجماعة الإسلامية أن «تجدد نفسها». ولا يعتقد ماكنزي أن الحكومة السورية قادرة على منع عمليات الهروب من السجون بمفردها، أو حتى بدعم روسي وإيراني.

وهذه الحجة تخمينية للغاية. وإذا غادر الأمريكيون، فقد يهرب مقاتلو داعش من السجون. وإذا فعلوا ما يكفي فقد يعيدون بناء تنظيمهم ليصبح قوة هائلة للغاية بحيث لا تستطيع القوات السورية التعامل معها. ويجب أن تتحقق حالات طوارئ متعددة غير محتملة حتى تستدعي أخذ هذا المنطق على محمل الجد.

لكن ادعاء ماكينزي يعاني مشكلة أكثر جوهرية. فهو يخلط بين المشكلة والترياق. ويعلم الجميع، من نعوم تشومسكي إلى راند بول، أن التدخل الأمريكي خلق الظروف التي سمحت لداعش بالنمو، وأدى إلى تقسيم الدول العربية إلى أشلاء، وإلى الإطاحة بقادتها، وتجويع الحكومات من خلال العقوبات والسرقة الصريحة، وخلق فراغ في السلطة. وكما حدث مع نشر القوات إلى أجل غير مسمى، الأمر الذي منع دولاً مثل سوريا من الحفاظ على سلامة أراضيها وإنشاء آليات الحكم الذاتي.

يعتقد ماكنزي أن الحكومة السورية ببساطة أضعف من أن تتمكن من قمع التهديد الصغير المتزايد الذي يشكله داعش في تراجعه. وبافتراض أنه على حق، يجدر بنا أن نتساءل عن سبب حدوث ذلك. وتشير الحقائق مرة أخرى إلى التدخل الأمريكي.

فبعد مرور ما يقرب من 13 عاماً على الحرب الأهلية المستمرة أصبحت سوريا في حالة يرثى لها. ولقد كانت ذات يوم دولة متوسطة الدخل تتمتع بمستويات معيشة محترمة، وهي الآن أفقر دولة على وجه الأرض. ويعيش أكثر من 90% من السوريين تحت خط الفقر الدولي وهو 1.90 دولار في اليوم. وأصبحت رواتبهم عديمة القيمة، حيث فقدت الليرة السورية تقريباً كل قيمتها النسبية منذ بدء الحرب.

وهذا ليس خطأ أمريكا كله. فمما لا شك فيه أن الحكومة السورية تتحمل مسؤولية كبيرة عن الأزمة الإنسانية، لكن العقوبات الأمريكية هي التي تعوقها عن تحسين الأمور. ويستهدف «قانون قيصر» السيئ السمعة أي شخص «يشارك في صفقة مهمة» مع الحكومة السورية. وهذه السياسة الشنيعة، التي وقّعها دونالد ترامب لتصبح قانوناً، تمنع المجتمع الدولي بشكل فعال من مساعدة إعادة بناء سوريا.

ولقد صوت ائتلاف من المشرعين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي بأغلبية ساحقة مؤخراً ضد فرض عقوبات جديدة على سوريا. ولسوء الحظ، مقابل كل واحد منهم، كان هناك 12 مؤيداً للتشريع. ومن شأن هذا القانون، الذي أُطلق عليه اسم قانون مناهضة التطبيع مع الحكومة السورية، أن يمدد انتهاء عقوبات قيصر لمدة ثماني سنوات. ومن شأن مشروع القانون أيضاً أن يوسع قائمة المعاملات المحظورة.

ولكن هناك المزيد. فقبل سنوات، وبمباركة أمريكا، سرقت الميليشيات المدعومة من تركيا رؤوس أموال أكثر من 1000 مصنع في مدينة حلب وحدها. وترك هذا الهجوم على القوى المنتجة للمركز الصناعي في سوريا اقتصاد سوريا في حالة يرثى لها. لكن هذا ليس كل ما سرقته الولايات المتحدة وحلفاؤها. وتقوم قوات الاحتلال الأمريكية بشكل روتيني بالاستيلاء على القمح والنفط السوري. واعترف ترامب بذلك قائلاً إن الجنود «كانوا يقيمون في سوريا لتأمين موارد النفط».

والدولة السورية تتضور جوعاً. والمزيد من التدخل الأمريكي ليس ما تحتاجه سوريا. فهي تحتاج إلى انسحاب قوات الولايات المتحدة.

وفي هذه المناقشات حول الدول والمسلحين، يجب ألا نغفل ما هو أكثر أهمية: الناس. فلقد تسببت النزعة العسكرية الأمريكية في سوريا في تكاليف بشرية فادحة. ولقد ساعد ذلك على إغراق السوريين في أعماق اليأس الذي لا يمكن تصوره. ويعاني أكثر من 80% منهم من انعدام الأمن الغذائي، وتفتقر نسبة مماثلة إلى الوصول المستمر إلى الكهرباء. ويستمتع الكثيرون بساعة واحدة فقط منه يومياً. ومن دون كهرباء، لا يمكنك تبريد الطعام وسيتعفن. وهذا يسبب النقص، حيث أصبح الناس يأكلون من القمامة.

ويبدو أن ماكنزي لا يهتم كثيراً بهذه المعاناة الهائلة، فقد كانت وظيفته بصفته جنرالاً هي إبراز القوة العسكرية الأمريكية، مهما كانت التكاليف، وهو المنصب الذي يبدو أنه يواصله بصفته كاتباً ضيفاً في صحيفة «نيويورك تايمز».

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى