الجالية العربية تشقّ طريقها في الانتخابات اليونانية والأوروبية

جاء في مقال للكاتب أحمد الأيوبي حول الانتخابات اليونانية :
أسفرت الانتخابات النيابية اليونانية عن تقدّم كبير لحزب يمين الوسط “الديمقراطية الجديدة” بواقع 146 مقعدا نيابيًا، وعن تراجع كبير لمنافسه اليساري الراديكالي “سيريزا” بواقع 71 مقعدًا من أصل 86 حصل عليها في انتخابات 2019 الأمر الذي أثار تساؤلات عديدة حول هذه النتيجة غير المتوقعة.
كما عرف الحزب الاشتراكي لعموم اليونان “باسوك” عودةً قوية إلى الساحة السياسية بواقع 41 مقعدًا مقابل 22 مقعدًا حصل عليها عام 2019، وهو ما عُزي إلى قيادته الجديدة التي استطاعت ترميم هياكل الحزب بعد سنوات من الهزائم الانتخابية والهزات الداخلية.
الحزب الشيوعي حصل على 26 مقعدًا بعدما كان قد حصل على 15 مقعدًا عام 2015، وهي زيادة ملحوظة في شعبية الحزب التي كانت ثابتة لسنوات طويلة. كما زاد حزب “الحل اليوناني” وهو حزب يميني متطرف مقاعده من 10 إلى 16.
حزب ميرا 25 اليساري الذي يرأسه وزير المالية السابق يانيس فاروفاكيس، لم يستطع دخول البرلمان، وكذلك حزب “إبحار حرية” الذي ترأسه رئيسة البرلمان السابقة السيدة زويي كوستاندوبولو. ويحاول الحزبان تخطي عقبة 3% المطلوبة لدخول البرلمان في الانتخابات المقررة يوم الأحد 25 يونيو/حزيران المقبل.
كيف هُزِم “التجمّع اليساري”؟
الهزيمة المدوية لحزب التجمع اليساري الراديكالي “سيريزا” شغلت المراقبين والمواطنين عموما. فالحزب الذي تضخم بشكل مفاجئ في انتخابات 2015 خسر نسبة كبيرة من مؤيديه. ويرى مراقبون أن قيادته لم تفهم الرسالة التي أرسلها المجتمع اليوناني إليها منذ مدة، وهي أنه يريد الاستقرار الاقتصادي بالدرجة الأولى، فيما زادت تصريحات بعض مرشحيه المعروفين غير الموفقة الطين بِلّة.
حزب “سيريزا” لا يزال يدفع من جهة أخرى ثمنًا باهظًا للاتفاقية التي عقدها يوم 12 يونيو 2018 مع جمهورية شمال مقدونيا، الجارة الشمالية لليونان. وتم الاتفاق بموجب هذه المعاهدة على إقرار الاسم الدستوري لهذه الجمهورية التي كانت جزء من جمهورية يوغوسلافيا السابقة. ولا تزال نسبة كبيرة من اليونانيين معارضة لهذه الاتفاقية وتطالب بإلغائها لأنها – حسب رأيهم – أعطت المقدونيين ما لا يستحقونه من اسم تاريخي هو تابع لليونان دون غيرها.
تقدّم اليمين المتطرّف
الشباب اليوناني أظهر من جديد إعراضًا عن التصويت بنسبة كبيرة. كما لم يستطع قسم منه التصويت كونه يعمل في الجزر اليونانية التي تشهد حركة سياحية كبيرة. هذا الأمر أدى إلى أن أصوات كبار السن، المحافظين في غالبيتهم، رجحت بشكل كبير كفة اليمين المحافظ وحزب الديمقراطية الجديدة تحديدا.
كذلك عزّز حزب “الحل اليوناني” اليميني المتطرف حظوظه في البرلمان اليوناني من 10 مقاعد إلى 16 مقعدا. واقترب حزب النصر المحافظ كذلك من عتبة البرلمان دون أن يستطيع دخوله.
تعزيز هذه الأحزاب لوجودها في الساحة اليونانية لا يرجع إلى عزوف الشباب عن التصويت فحسب. بل يلاحظ أن ثمة عودة لحضور تيار اليمين عمومًا في أوروبا وهو ما جرى في اليونان كذلك.
ورغم تعرّض حزب “الديمقراطية الجديدة” لانتقادات واسعة في صفوفه على خلفية فضيحة تنصُّت على هواتف شخصيات حزبية وسياسية وإعلامية، وعلى خلفية مقتل عشرات الأشخاص في حادثة تصادم قطارين قرب مدينة لاريسا وسط البلاد، أوائل شهر مارس الماضي، وتوجيه اتهامات إليه بتحويل أجهزة الدولة إلى مؤسسة خاصة به، فإن نتيجة التصويت لم تعكس هذا الانزعاج الشعبي على الإطلاق، بل إن وزير المواصلات السابق كوستاس كرمنليس الذي طالبته فئات شعبية بعدم الترشح من جديد على خلفية الحادثة، رشّح نفسه في دائرة سيريس شمال اليونان، وكان أول الفائزين في تلك الدائرة.
كذلك لم يهتم الناخبون اليونانيون بما نسبته منظمات دولية وناشطون إلى حكومة “الديمقراطية الجديدة” من عمليات صدٍّ للاّجئين في بحر إيجه، وهو ما أكدته منظمات حقوقية دولية، ما يشير إلى أنّ الاقتصاد شكّل الأولوية المطلقة لدى الناخب اليوناني.
لماذا يتهرّب الفائزون من رئاسة الحكومة؟
ومع تجنب زعماء الأحزاب الكبرى استلام مهمة تشكيل الحكومة القادمة فإن الناخب اليوناني مدعو للتصويت من جديد يوم 25 يونيو/حزيران المقبل لاختيار نوابه المقبلين. ويطمع
كيرياكوس ميتسوتاكيس إلى تعزيز وجود حزبه في البرلمان اليوناني إلى درجة تخوله تشكيل حكومة بمفرده، لأنّ تجربة الحكومات الائتلافية ليست مشجعة دومًا في اليونان.
الأحزاب اليسارية التي منيت بهزيمة واسعة مثل “سيريزا” و”ميرا25″ عليها العمل الدؤوب لمدة شهر لتلافي هزيمة أخرى تؤدي بحزب “سيرايزا” إلى تراجع كبير في مكانته، وتؤدي بحزب “ميرا 25” إلى البقاء خارج البرلمان وتعرّضه لأزمات داخلية.
شكّلت هذه الانتخابات مفاجأة كبيرة للأحزاب وللمتابعين معًا. فالهُوّةُ الكبيرة بين الحزب الأول والحزب الثاني جاءت كبيرة وغير قابلة للرّدم، كما أنّ شخصيات سياسية كبيرة ظلّت خارج البرلمان بعدما بقيت فيه أكثر من عشرين عامًا.
يربط ميتسوتاكيس بين وجوده في الحكم وبين الاستقرار الاقتصادي والسياسي للبلد، فيما قال أكثر من مرة إن عودة “سيريزا” إلى الحكم من جديد سيعنى الفوضى لليونان، وهو الأمر الذي يبدو أنّه أثار مخاوف المحافظين فهرعوا إلى تثبيت وجوده في السلطة وتجديدها لأربع سنوات مقبلة.
لا يتوقع المراقبون حصول مفاجآت كبيرة في جولة 25 يونيو المقبلة، إلا احتمال تعزيز الأحزب الصغيرة لوجودها ودخولها إلى البرلمان، وهو الرهان الذي يواجهه قادة تلك الأحزاب في سعيهم إلى الإبقاء على وجودهم في هذه المؤسسة الديمقراطية العريقة.
مبادرة عربية
شهدت هذه الانتخابات سابقةً من طرف الجالية العربية التي شكّلت مبادرة للعمل الاجتماعي والسياسي وبادرت بالتحالف مع حزب “ميرا 25” . هذا التحالف أدى إلى تقديم مرشح على لوائح الحزب في وسط أثينا هو اللبناني (من الكورة) شادي الأيوبي، وآخر في منطقة قريبة من مدينة باترا غرب البلاد هو الدكتور تيسير جابر (أردني الجنسية).
قوبلت المبادرة بتفاعلٍ وحماسةٍ كبيرين لدى أبناء الجالية العربية، إذ رأوا فيها دخولاً للجالية إلى المعترك السياسي في البلد بعد سنوات طويلة من العيش في هامش الحياة السياسية والاجتماعية.
وقد حصل المرشح شادي الأيوبي على 1247 صوت عن دائرة وسط أثينا ليحل ثالثًا في اللائحة، وهو ما يعتبر رقمًا جيدًا وبداية لا بأس بها للمبادرة.
وتبادل أبناء الجالية العربية التهاني عبر وسائل التواصل الاجتماعي ورأوا أنها بداية مشجعة وأنه يمكن البناء عليها لتحقيق المزيد من التقدم والحضور في اليونان.
يراهن أعضاء المبادرة العربية على دور أكبر للجالية العربية في دعم حزب “ميرا 25” في انتخابات يونيو المقبلة وعودته إلى البرلمان اليوناني، كحزب مناصر للأجانب ومتفهم لقضاياهم وخصوصياتهم.
كما يراهن أبناء الجالية العربية على أدوار أكبر لهم في الانتخابات المحلية المقبلة في شهر أكتوبر المقبل وفي الانتخابات الأوروبية التي ستعقد في شهر يونيو/حزيران من عام 2024.
ان الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن “رأي سياسي” وإنما تعبر عن رأي صاحبها حصرًا.