حسين زلغوط
خاص_ موقع رأي سياسي:
تتجه أنظار العالم اليوم إلى انطلاق عملية الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية، كونها هذه المرة تأتي في ظرف داخلي استثنائي حيث الكباش السياسي يبلغ الذروة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وكذلك خارجي كون أن معظم الأزمات وحروب المنطقة تتأثر إلى حد كبير بنتائج هذه الإنتخابات التي تعد مفصلية بالنسبة للشرق الأوسط وعلى وجه الخصوص الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان.
لا شك أن هناك مبالغة كبيرة لدى البعض الذي يراهن على إمكانية حدوث متغيرات في ضوء نتائج هذه الانتخابات، لأنه كما هو معلوم فإن الثوابت الأميركية تجاه ملفات المنطقة ثابتة لا تتغير بشكل جوهري إن كان الرئيس ديمقراطيا أو جمهوريا، إنما الذي يتغير هو أسلوب التعاطي مع هذه الملفات من قبل الرجل الذي يسكن البيت الأبيض، فعلى سبيل المثال عندما فاز باراك أوباما بالرئاسة الأميركية استبشر العالم العربي خيرا من منطلق كون الرئيس الأسود يتحدر من أصول أفريقية ووالده مسلم، غير أن سرعان ما تبين أن الرهان على وصوله كان خاسرا حيث شهدنا تشددا لا مثيل له في سياسته الخارجية وهو بدل أن ينحاز إلى جانب حل الدولتين في فلسطين المحتلة، وقف إلى جانب إسرائيل وبقي قيام الدولتين مجرد شعار، وخرج من البيت البيضاوي من دون أن يحقق أي تقدم على مستوى العملية السلمية في الشرق الأوسط.
هذا المشهد سيتكرر مع الرئيس الجديد للولايات المتحدة فإذا فاز دونالد ترامب أو كامالا هاريس لن يتغير قيد أنملة على مستوى الثوابت الأميركية تجاه إسرائيل على الرغم من محاولة المرشحين غدق الوعود بوقف الحرب في لبنان وغزة ومحاولة احياء مبدأ حل الدولتين، كون أن السياسة الخارجية الأميركية تتحكم بها عوامل كثيرة أبرزها اللوبي الصهيوني الذي يتحكم بالكثير من مفاصل الدولة لا سيما على مستوى المال والإعلام والاقتصاد، ناهيك عن أن اسرائيل فرضت نفسها على أنها حارسة المصالح الأمريكية في المنطقة، وبالتالي من الممكن أن يحصل بين اي رئيس أميركي توتر أو فتور في العلاقة مع أي حكومة إسرائيلية على غرار ما حصل بين جو بايدن وبنيامين نتنياهو حيث بقي الخلاف موضعي وظرفي، لكن في المقابل الدعم السياسي والمادي والعسكري الأميركي حيال إسرائيل لم يتأثر، وهذا ان كان يدل على شيء فإنه يدل على أن الرهان على اي تغييرات جوهرية في العلاقة الأميركية والاسرائيلية هو مجرد سراب ووهم.
انطلاقا مما تقدم فإن وقف الحرب لن يكون فور إعلان اسم الرئيس الفائز في هذه الانتخابات، نعم قد يلجأ الرئيس الذي سيدخل المكتب الرئاسي في البيت الأبيض إلى إبداء مرونة في العمل على تحقيق وقف النار في غزة أو لبنان، لكن بطبيعة الحال لن يفرض هذا الحل على حساب إسرائيل، كون أن السياسة الخارجية الأميركية تجاه الخارج لا تتغير مع تغير الرئيس، إنما طريقة مقاربة الملفات تتغير فمن الممكن أن تكون هذه الطريقة مرنة، ومن الممكن أيضا أن تكون صلبة، إنما تقف كل المقاربات بملفات على عتبة المصلحة العليا لواشنطن اولا، وعلى عتبة المصلحة الإسرائيلية ثانيا.
من هنا فإن مصدر وزاري يدعو الى عدم الإفراط في التفاؤل وكأن الرئيس الجديد للولايات المتحدة الأمريكية سينتشل الزير من البئر، وهو لديه قناعة تامة بأن الميدان سيكون له تأثير فعال اكثر من اي تدخل خارجي، نعم إن اي عمل دبلوماسي لوقف الحرب هو عمل جيد، لكن الكلمة الفصل تكون دائما للميدان وأبلغ دليل على صوابية ذلك هو حرب تموز حيث استطاع الميدان في بضعة دقائق أن يقلب المشهد ويجعل الجميع يذهب إلى التسوية التي كان من نتائجها ولادة القرار الأممي رقم 1701 الذي يعتبره لبنان اليوم منطلقا لأي تسوية تنهي الحرب القائمة اليوم.