التوتر وزيادة الوزن.. ضريبة جديدة لضغوط الحياة اليومية.
في استطلاع أجري عام 2007 حول السلوكيات الشائعة في إدارة التوتر، أفادت جمعية علم النفس الأميركية، أن 4 من كل 10 أميركيين أو ما يعادل 43% يفرطون في تناول الطعام ويجدون صعوبة في مقاومة الأطعمة غير الصحية عند التعرض للتوتر.
فهل هناك علاقة بين التوتر وزيادة الوزن؟ وكيف يمكن للتوتر أن يؤدي إلى السمنة؟
ربطت عدة دراسات علمية بين التوتر وزيادة الوزن، ومع ذلك لا يبالغ البعض إذا عبّر عن فقدان الشهية مع الشعور بالتوتر، إذ إن الجسم يفرز هرمون الأدرينالين في البداية ويشعر الشخص بعدم الرغبة في الطعام أو نسيان الأمر كليا، ولكن مع التوتر المتكرر يصبح الجسم في حالة قتال أو هروب ويُطلق الكورتيزول (هرمون التوتر) فيزيد هرمون الجوع (الغريلين)، ويقل هرمون الشبع (اللبتين)، ويحدث خلل في أنسولين الدم.
تغيرات هرمونية وزيادة دهون البطن
ووفق موقع “إيفري داي هيلث”، توضح الدكتورة أريانا تشاو الأستاذة المساعدة بكلية التمريض في جامعة بنسلفانيا أن التعرض للتوتر والإجهاد يؤثران على نظام المكافأة في الدماغ ولا سيما منطقة اللوزة الدماغية، مما يعزز الرغبة القوية في تناول الطعام كوسيلة دفاعية لتحسين الحالة المزاجية، وتقول تشاو إنه في حالة التوتر المزمن تحدث تغيرات هرمونية في الجسم وترتفع مستويات الكورتيزول، مما يحفز الشهية ويدفع الجسم لتناول الأطعمة الغنية بالسعرات الحرارية والكربوهيدرات، كما تتباطئ عملية التمثيل الغذائي، وتعزز قدرة الخلايا على تخزين الدهون في الجسم وخاصة حول البطن.
وفي هذا السياق كشفت دراسة قام بها باحثون في جامعة كاليفورنيا عام 2017 عن وجود ارتباط بين التوتر المزمن والسمنة ولا سيما في منطقة البطن (الدهون الحشوية)، وشملت الدراسة 2527 رجل وامرأة قدموا خصلات من الشعر قريبة من فروة الرأس في فترات محددة على مدار 4 سنوات، وبعد متابعة المشاركين واختبار عينات الشعر، اتضح للباحثين أن زيادة مستويات الكورتيزول في الشعر ترتبط بالسمنة وزيادة الدهون في محيط الخصر.
ضعف العضلات وإبطاء عملية الأيض
وينقل موقع “أورلاندو هيلث” عن اختصاصي التغذية، غابرييل مانسيلا، أن زيادة الكورتيزول من شأنه تقليل الهرمونات البنائية في الجسم مثل هرمون التستوستيرون وبالتالي تنخفض كتلة العضلات ويقل معدل حرق الدهون، باعتبار الأنسجة العضلية هي المسؤول الأساسي عن رفع معدل الحرق في الجسم.
وهو ما أكدته دراسة نُشرت في مجلة الطب النفسي البيولوجي عام 2014، بعد أن أجرى باحثون من جامعة أوهايو مقابلات مع 58 امرأة حول التوتر الذي تعرضن له في اليوم السابق لتناول وجبة غنية بالدهون والسعرات الحرارية (930 سعرا حراريا و60 غراما من الدهون).
ووجد الباحثون أن المشاركات اللاتي أبلغن عن ضغوط في اليوم السابق يحرقن سعرات حرارية أقل من اللائي لم يعانين من التوتر بفارق 104 سعرات حرارية، ووفق الدراسة، يؤدي هذا الفارق إلى زيادة في الوزن بمقدار 11 رطلا (5 كيلوغرامات) في العام الواحد.
خيارات غذائية غير صحية
وفي مقال لها على موقع “فري ويل مايند”، أشارت الدكتورة إليزابيث سكوت، المتخصصة في علم النفس ومؤلفة كتاب “8 مفاتيح لإدارة التوتر”، إلى أنه عند الشعور بالتوتر تزداد رغبة الجسم في الحصول على السكريات لإفراز هرمون الدوبامين وتزويد الجسم بالطاقة السريعة، ولكن الجانب السيئ في تناول السكر، هو أن الجسم يميل إلى تخزينه في شكل دهون حول الخصر يصعب التخلص منها.
وتضيف “سكوت” أنه إضافة إلى التغيرات الهرمونية، يصاحب التوتر سلوكيات غير صحية تتسبب في تغير الوزن، ومنها:
- الأكل العاطفي: وهو تناول الطعام كوسيلة لتخطي الشعور بالقلق والتوتر.
- الإقبال على الوجبات السريعة: يؤثر التوتر على خياراتنا الغذائية، ويميل الفرد إلى تناول كل ما هو متاح وسهل الوصول إليه.
- نهم الطعام: هو اضطراب يأكل فيه الشخص كميات أكبر من المعتاد لتحجيم المشاعر السلبية.
- تقليل ساعات النوم: يرتبط التوتر والضغط النفسي بمشاكل النوم، وربطت العديد من الأبحاث بين قلة ساعات النوم وبطء عملية التمثيل الغذائي.
الاستجابة للتوتر
استخدام الطعام كآلية للتعامل مع التوتر، كشفت عنه دراسة أجراها معهد بيكر لبحوث القلب والسكري على 5118 مشاركا في أستراليا عام 2013، وتوصلت إلى أن الإجهاد الناتج عن ضغوط الحياة مثل زيادة عبء العمل والأزمات المالية والمشاكل الاجتماعية يرتبط طرديا بزيادة مؤشر كتلة الجسم.
وتابع الباحثون سلوك المشاركين في إدارة التوتر على مدار 5 سنوات، وأشارت الأدلة إلى أن الضغط النفسي والاجتماعي يؤديان إلى اضطراب الغدد الصماء العصبية، ويدفعان الفرد إلى اتباع سلوكيات غذائية غير صحية لعدم وجود الوقت أو الدافع النفسي لتجهيز وجبات صحية، وكذلك الانشغال عن ممارسة التمارين الرياضية.
كيف تدير التوتر بصورة صحية؟
توجد بعض الإستراتيجيات التي تساعد في إدارة التوتر وتجنب الوزن الزائد الناتج عنه، وفق موقع “مدرسة الصحة العامة في جامعة هارفارد” ومنها:
- اتباع نظام غذائي متوازن: يعمل على إصلاح الخلايا التالفة، ويوفر الطاقة الإضافية اللازمة لمواجهة القلق والتوتر.
- عادات الأكل اليقظة: ينبغي الانتباه إلى ما يخبرك به جسمك من أجل تلبية احتياجاته الحقيقية، واتخاذ خيارات غذائية صحية.
- ممارسة التمارين الرياضية: أظهرت مراجعة منهجية نشرت في عام 2015 أن ممارسة الرياضة تقلل التوتر وتعزز من كفاءة الجسم في التعامل مع الضغوط النفسية.
- قسط كاف من النوم: ينصح مركز السيطرة على الأمراض بالنوم 7 ساعات في الليلة على الأقل.
وأخيرا عندما تشعر بالإجهاد، جرب تمارين التنفس العميق وتمارين الاسترخاء والتي تساعد على الهدوء والتفكير الإيجابي، ولا تخجل من طلب الدعم والتعبير عن مشاعرك ومخاوفك.