التناقضات الاقتصادية العالمية
كتب د. عبدالله بن عبد المحسن الفرج في صحيفة الرياض.
الاقتصاد العالمي الذي يعيش مرحلة انتقالية، ليس في أفضل أحواله، ففي أوروبا معدلات نمو الاقتصاد منخفضة، أو لا تنمو تقريباً، وأحد أسباب ذلك أزمة الطاقة المصطنعة، التي خلقها الأوروبيون لأنفسهم وخاصة الألمان، الذين فرضوا قيودا على استخدام مصادر الطاقة الروسية الرخيصة، وأصبحوا بقدرة قادر يستخدمون مصادر الطاقة مرتفعة التكلفة من الولايات المتحدة، وبهذا عاقبوا أنفسهم بأنفسهم بدلاً من معاقبة روسيا. الأمر الذي يعني أن القطيعة الأوروبية – الروسية لن تدوم طويلاً، إذا رغب الطرف الأول العودة للأسواق العالمية كمنافس كما كان في السابق.
وخاصة مع الصين، التي تتحول إليها رؤوس الأموال الهاربة من أوروبا التي قل فيها العائد على رأس المال.
كذلك، فإن الولايات المتحدة التي كان ينظر إليها باعتبارها المستفيد الأكبر من الأزمات التي تعاني منها الفضاءات الاقتصادية المنافسة لها، هي الأخرى قد أصابها التضخم، الأمر الذي اضطر البنك المركزي خلال العام الماضي إلى رفع سعر الفائدة عدة مرات، تخطت معها 5.5 %. ولكن ما الذي يعنيه ارتفاع سعر الفائدة على القروض غير زيادة التكلفة على المشاريع وأصحاب الأعمال، وكذلك ارتفاع تكلفة القروض التي تحتاجها الميزانية الاتحادية لتمويل العجز الكبير الذي تعاني منه. ولهذا، فليس مستغرباً أن يتجاوز الدين القومي للولايات المتحدة 34 تريليون دولار، وذلك لأول مرة في التاريخ، فهذا الرقم الكبير، كفيل بتوضيح كافة التناقضات التي يعاني منها الاقتصاد الأمريكي.
وبالعكس، فإن الفضاءات الاقتصادية الكبرى التي تتعرض للعقوبات من قبل الولايات المتحدة وأوروبا، بدل أن تتراجع، نمت بمعدلات تفوق معدلات نمو اقتصاد البلدان المعاقبة لها. فالاقتصاد الصيني يتوقع أن يكون نموه في العام الماضي عند 5.5 % والاقتصاد الروسي حوالي 3.5 %، وهذا مؤشر ذو وجهين: الوجه الأول هو ظهور فضاءات اقتصادية مستقلة، تتطور بفعل العوامل الداخلية، دونما تأثر كبير بالعقوبات المفروضة عليها وهذا يحدث لأول مرة، مشكلاً بذلك أحد أطراف مقص التناقضات العالمية الجديدة. من جهة أخرى فإن العقوبات التي يفرضها النظام العالمي، أو ما يسمون أنفسهم رعاة له، قد أصبحت غير مجدية ولا مؤثرة، وهذا أيضاً يحدث لأول مرة، مشكلاً الطرف الآخر لمقص التناقضات العالمية، هذا المقص الذي أصبح مثلوماً وغير قادر على القطع. والسبب يعود إلى أن القرارات التي صارت تتخذ لم تعد، كما كانت في السابق، تمثل إجماع دولي ومصادق عليها من مجلس الأمن. فالعقوبات الحالية، هي قرارات تتخذها مجموعة محدودة من البلدان بهدف إضعاف منافسيها في النظام العالمي، وهي بالتالي تبقى محدودة وغير مؤثرة، وترتد بوميرانغ “boomerang” على البلدان التي تفرضها بشكل أكبر من البلدان الخاضعة لها، الأمر الذي أدى إلى هذه الاختلالات في الاقتصاد العالمي، والتي إحدى معالمها ارتفاع الدين القومي عند البعض إلى أرقام فلكية.