رأي

التنافس على أفريقيا يُقدّم درساً للعرب

كتب سامر خير أحمد, في العربي الجديد”:

انتهت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي قبل أيّام في بكين، بإعلان مشاريعَ تنمويةٍ ستنفّذها الصين في دول القارّة، بنحو 51 مليار دولار، نصفها قروض، بينما يتوزّع نصفها الآخر بين مساعدات واستثمارات تنفّذها الشركات الصينية. وتستثني تلك المشروعات مملكةَ إيسواتيني لأنّها تعترف بتايوان. وتنفّذ الوعود الصينية التي شملت مشروعاتٍ للبنى التحتية والطاقة المُتجدّدة تُنفَّذ في مدار ثلاث سنوات؛ أي حتّى موعد انعقاد الدورة العاشرة للمنتدى، الذي أُسّس عام 2000، ودَفَع العلاقات الصينية الأفريقية إلى مستوىً مُتقدّم أفزع الولايات المتّحدة، حتّى راحت تُغدِق الوعود على القارّة خلال آخر سنوات في إطار مساعيها لمحاصرة نفوذ الصين دولياً، فقدّمت، عشيةَ انعقاد الدورة الثانية من القمّة الأميركية الأفريقية (أواخر عام 2022)، وعوداً بمشروعات قيمتها 55 مليار دولار لدعم النمو الاقتصادي في القارّة.

هذا التنافس على أفريقيا، في إطار الصراع الدولي بين الولايات المتّحدة والصين، يتجاوز بطبيعة الحال السباق على ثرواتها الطبيعية، وعلى موادّها الخام وأسواقها الواسعة، إذ يتصّل أيضاً بالنفوذ فيها، وببناء العلاقات مع دولها، التي تنعكس في مواقفها الدولية، خصوصاً أنّ القارّة التي تضمّ 54 دولةً تتوفّر على أكبر قوّة تصويتية في الأمم المتَّحدة. النجاحات التنموية التي تُحقِّقها الدول الأفريقية، نتيجةَ استغلالها التنافس بين واشنطن وبكين، تُقدِّم درساً غنياً للدول النامية بشكل عام، فالقارّة لا تُعلِن انحيازها لأحد طرفَي السباق، لكنّها في الوقت نفسه قادرة على أن تحصد من كليهما مشروعاتٍ تنمويةً للطرق وللسكك الحديد، وللطاقة الشمسية التي توفّر حلولاً لعجز الكهرباء، ومن ثمّ لإمكانات التصنيع، بفضل التنسيق والتعاضد بين دول القارّة، حتّى إنّ الرئيس الصيني عرض في كلمة افتتاح المنتدى إنشاءَ شبكةِ نقلٍ ومواصلاتٍ بين الصين وأفريقيا، تتضمّن روابطَ برّية وبحرّية، ما يعني زيادةَ فرص التصدير الصناعي أمام الدول الأفريقية.

تتعاطى الدول العربية مع الصين في شكل دول منفردة، رغم ظهورها معاً كتلةً قوميةً واحدةً أو كتلاً إقليميةً أقلَّ عدداً في المؤتمرات والمنتديات

ويشمل هذا الدرس الدول العربية. لقد أُسّس منتدى التعاون العربي الصيني في عام 2004، لأنّ الصين تفضّل العمل مع الدول النامية باعتبارها كتلاً ومجموعاتٍ لا دولاً منفردةً، أي على عكس حقيقة العلاقات العربية (فردية الطابع إجمالاً) مع العالم. وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين في العام الماضي نحو 400 مليار دولار، وهو عشرة أضعاف ما كان عليه عند تأسيس المنتدى، متضمّناً 265 مليون طنٍّ من النفط الخام استوردتها الصين من الدول العربية في 2023، تمثّل 47% من واردات الصين الإجمالية للنفط الخام. ونفّذت بكين مشاريعَ عدّة للبنى التحتية في الدول العربية، مثل المبنى الأيقوني في العاصمة الإدارية المصرية الجديدة، الذي يُعَدُّ أعلى مبنىً في أفريقيا، والطريق السيّار الذي يربط شرق الجزائر وغربها بطول 1200 كيلومتر، وجسر محمد السادس في المغرب، وهو أكبر جسر مُعلَّق في القارّة. وعقب القمّة الصينية العربية في الرياض أواخر عام 2022، متزامنةً مع القمّة الصينية الخليجية، والقمّة الصينية السعودية، توسّعت مجالات التعاون إلى حقول غير تقليدية، مثل الابتكار التكنولوجي، والتحوّل الصناعي، والتنمية الخضراء، بينما كان التعاون العربي الصيني محصوراً في العقدين الماضيين في مربّع التجارة؛ تستورد الصين من العرب النفط والمواد الخام، وتصدّر إليهم كلّ شيء.

الدرس الأفريقي للعرب، في العلاقة مع الصين والعالم، مفاده أنْ يتصرّفوا كتلةً واحدةً كي يُحقّقوا فوائدَ أكبر

رغم ذلك كلّه، لا تشبه نتائج التعاون العربي الصيني نتائجه في المستوى الأفريقي. إذا قارنّا بين التعاونين لوجدنا أنّ الجامع المشترك بينهما هو جدّية الصين في نسج علاقات متينة مع الكتلتَين العربية والأفريقية من خلال تنفيذ مشاريعَ البنى التحتية ضمن مبادرة الحزام والطريق الصينية، وقاعدة “الربح المشترك”، التي تجعلها بكين شعاراً لتعاونها مع الآخرين، على الضدّ ممّا تقول إنّه السلوك الغربي لتقديم المساعدات والمشاريع المشتركة، الذي يقوم على التدخّل في الشؤون الداخلية لدول لعالم، وفرض النموذج القيمي الغربي عليها. أمّا عامل الاختلاف الرئيس بين التعاونَين العربي والأفريقي مع الصين، فإنّ القارّة تتعاطى مع الصين باعتبارها (القارّة) كتلةً واحدةً ذات قضية مشتركة هي التنمية، بينما تتعاطى الدول العربية مع الصين في شكل دول منفردة، رغم ظهورها معاً كتلةً قوميةً واحدةً أو كتلاً إقليميةً أقلَّ عدداً في المؤتمرات والمنتديات. لهذا تحقّق الدول العربية فوائدَ متباينةٍ من العلاقة التنموية مع الصين، بحسب ما تتوفّر عليه من النفط الخام أو الموقع الاستراتيجي، فنجد السعودية ودول الخليج ومصر والجزائر أكثر الدول العربية استفادةً من علاقتها مع بكين، بينما لا يُقدّم التعاون العربي الصيني فوائدَ مماثلةً للدول العربية الأخرى. وحتّى تلك الدول المُستفيدة يمكنها أن تعظّم فوائدها لو انخرطت في مشروعات عربية مشتركة مع الصين كالطرق والسكك الحديد والطاقة المُتجدّدة والمشروعات الصناعية، كما تفعل قارّة أفريقيا، التي تبرم مشاريع تشمل دول عدّة لتساعدها في التصدير المُتبادَل والنقل واستغلال الطاقة الشمسية. بل يمكننا القول إنّ التعاون العربي مع الصين لو قام على “قضية واحدة” أسوة بالتعاون الأفريقي، هي قضية التنمية، لانعكس في موقف الصين العملي من القضايا السياسية أيضاً، وفي رأسها الحرب على غزّة، إذ ساعتها ستجد الصين نفسها مضطرّة للانخراط بشكل أكبر في السعي لوقف الحرب حمايةً لمصالحها مع الدول العربية.

الدرس الأفريقي للعرب، في العلاقة مع الصين والعالم، مفاده أنْ يتصرّفوا كتلةً واحدةً كي يُحقّقوا فوائدَ أكبر. صحيح أنّه درس قديم في مجال السياسة، لكنّه يتجدّد اليوم في مجال التنمية.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى