التعليم.. وتطور الصناعة
كتب م. سعد بن ابراهيم المعجّل في صحيفة الرياض.
للقطاع الصناعي أهمية كبيرة في نهضة الدول وتقدمها واعتمادها على نفسها، وهو عامل رئيس في استقرار اقتصاد أي دولة وحمايته من التقلبات المختلفة التي قد يتعرض لها لأسباب عديدة، والتقدم الصناعي يسهم في ترسيخ الاستقلال الاقتصادي وحتى السياسي من خلال القدرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي. وقد شاهدنا في ظل جائحة كورونا وانقطاع سلاسل الإمداد العالمية كيف أن الدول التي تتمتع بقدرات تصنيع عالية وقطاعات صناعية متنوعة قد استطاعت أن تتغلب على الآثار الاقتصادية المدمرة لهذه الجائحة، بل وتمكنت من ابتكار صناعات تتواءم مع هكذا حالات خصوصاً في قطاع التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي.
وفي ميزانية المملكة عام 2024م تم التأكيد على تطوير القطاع الصناعي من خلال تنويع القاعدة الصناعية عبر «الاستراتيجية الوطنية للصناعة»، ورفع الناتج المحلي الصناعي نحو ثلاثة أضعاف مقارنة بعام 2020م، ليصل إلى 895 مليار ريال في عام 2030م؛ ويصبح مساهماً رئيساً في تنمية الصادرات غير النفطية.
ولكي نتمكن من تطوير القطاع الصناعي يجب الالتفات إلى قطاع التعليم أولاً، حيث هناك علاقة طردية بينهما، فالتعليم هو الوسيط في إنجاح الاستراتيجيات الوطنية للصناعة، من خلال تخريج كفاءات بشرية مؤهلة وقادرة على نقل الطموحات في مجال الصناعة إلى أرض الواقع، وهو قلب العملية التنموية التي تنهض بالصناعة الوطنية وتعزز وتنوع مساحتها، فالتعليم يعد ركناً أساسياً في النهضة الصناعية بما يرفده من كوادر بشرية وأفكار متطورة، في حين تمثل الصناعة ساحة الاختبارات لوضع الأفكار البحثية والمبتكرات العلمية موضع التطبيق، وكشاهد على ذلك نجد أن سنغافورة قد عانت في الماضي من مشكلات كثيرة كالبطالة والفساد والركود الاقتصادي، واستطاع لي كوان يو رئيس وزرائها الأسبق الارتقاء بالنظام التعليمي حتى أصبح أحد أفضل الأنظمة التعليمية على مستوى العالم، حيث يتم إنفاق 20% من الناتج المحلي على التعليم حسب المجلة الدولية للعلوم، وحققت المراتب الأولى عام 2022م في البرنامج الدولي لتقييم الطلبة والذي تنظمه منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فالتطور التعليمي والارتباط الوثيق بين استراتيجية التعليم واستراتيجية التنمية الصناعية لديها ساهما في تكوين كفاءات وخبرات ساعدت في عملية البناء الاقتصادي؛ من خلال الاعتماد على التعليم التقني والمهارات التكنولوجية والتي تحولت اقتصاداً قائماً على المعرفة، فالإنسان هو رأس المال والثروة الحقيقية.
وتسعى حكومتنا الرشيدة -حفظها الله- إلى تطوير العملية التعليمية وتلبية متطلبات سوق العمل، ففي نوفمبر 2022م وقعت وزارتا التعليم والصناعة والثروة المعدنية مذكرة تفاهم لتعزيز الشراكة والتعاون بينهما وتبادل الخبرات والكفاءات والمعلومات، إلى جانب المواءمة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل في قطاعي الصناعة والتعدين وفقاً لمستهدفات رؤية المملكة 2030، وتجدر الإشارة إلى برنامج صنع في السعودية الذي أطلقته هيئة تنمية الصادرات السعودية كجزء من برنامج تطوير الصناعة الوطنية ورعاية الابتكارات التقنية والمواهب الإبداعية، ويساهم في تعزيز التعاون بين الصناعيين، لبناء علامة صناعية سعودية تروج منتجاتها محلياً وعالمياً، ويشارك في تحقيق مستهدف الرؤية بالوصول إلى نحو تريليون ريال من الإيرادات غير النفطية في عام 2030م. كما تجدر الإشارة إلى مبادرة «صناعيو المستقبل» التي قدمتها مجموعة من الشركات الصناعية الخاصة، وتضمنت برامج نوعية للطلاب، وإطلاعهم على القوة الصناعية في المملكة، وفتح آفاق جديدة لهم ليكونوا ضمن رواد الصناعة في المملكة.
أتمنى تحسين مستوى أداء التعليم والتدريب في المملكة خاصة التعليم التقني والمهني مما سيرفد سوق العمل بكفاءات مهنية عالية تحمل فكر الصناعي، وأتمنى رعاية الموهوبين رعاية خاصة، والعمل على ربط الجامعات مع الشركات المحلية والدولية، مما يساعدها على الارتقاء بأدائها؛ فالجامعة أهم منابع العلوم ومصادر المعرفة، فهي مؤسسة تعليمية وإنتاجية واستثمارية، تنتج المعرفة بالبحث العلمي، وتطبقها من خلال خدمة المجتمع، فجامعة كاليفورنيا تعد مثالاً مهماً على تعزيز الشراكة البحثية مع الشركات في وادي السيليكون، حيث يقوم معهد تكنولوجيا المعلومات بإجراء أبحاث تعاونية في كثير من المجالات الصناعية المتعلقة بالإنترنت ونظم الكمبيوتر وتقنيات الاتصال، وبالتالي تسجيل العديد من الابتكارات والاختراعات.
أخيراً، أتقدم بالشكر والتقدير للقيادة الرشيد -حفظها الله- على ما توليه لقطاع الصناعة من رعاية واهتمام، وجعله محور رؤية 2030م وسعيها لجعل المملكة دولة صناعية من خلال تشييد 36 ألف مصنع بحلول عام 2035م، وأختم بقول الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- :» لدينا جميع الممكنات للوصول إلى اقتصاد صناعي تنافسي ومستدام، من مواهب شابة طموحة، وموقع جغرافي مميز، وموارد طبيعية غنية، وشركات صناعية وطنية رائدة».