رأي

التعدّي سافر والذرائع واهية

كتب جوزيف باسيل في صحيفة نداء الوطن.

في كلّ اعتداء إسرائيلي على لبنان للصحافيين والإعلاميين جنازة، ليس لأن هؤلاء يعتدون على إسرائيل فتقصفهم، وليس لأنهم وجدوا في مكان وزمان غير مناسبين، فمهمّتهم تفرض أن يكونوا حيث هم، بل لأنّ في عقيدة الجيش الإسرائيلي ومن مهامه الاعتداء على الآخرين.

إنّ عصام عبدالله ليس مقاتلاً في «حزب الله»، وليس في أي تنظيم فلسطيني، وليس مستورَداً من دسكرة في أنحاء العالم، ولا يُحسب عليه أنه تجاوز الحدود أو الخطوط المرسومة أو قواعد الاشتباك المتفاهم عليها، بل هو على أرضه، وضمن كل الخطوط والتفاهمات، لكنه خرج عن خط الغطرسة الإسرائيلية، فقتلته.

ابن الخيام الجنوبية التي شهدت عدة مجازر منذ عام 1948، هو ابن الأرض التي روتها دماؤه، وليس طارئاً عليها، كان ينفّذ مهمته التي كلّفته بها الوكالة الأجنبية التي يعمل لها، أرسلته لينقل الصورة والخبر إلى العالم، بذريعة أنها تريد نقل الوقائع، لكنّها عند مقتله أحجمت عن نقل الواقعة، كما شهد بها زملاؤه في الموقعة. ليس ذنب عصام أنه يقوم بعمله، لكنّ ذنبه أنه سعى إلى صورة واضحة في ضباب الزيف الإعلامي العالمي، فقضى فيما وكالته لم تُزح الضباب عن مقتله. إنّ الظلم مرتين فيه مهانة للكرامة الإنسانية. لا بدّ لزملائه في المهنة أن يشهدوا بالحق كي تنجلي الحقيقة.

كانت الصحافة مهنة المتاعب، صار الإعلام إلى جانبها، رسالة لنقل الخبر الصحيح والصورة الواضحة، قدر المستطاع، في عالم تزييف الوقائع وحرفها عن صراطها خدمة لأهداف سياسية وأغراض تجارية ومخططات عدوانية، والمهنة صارت شغفاً يتجاوز الخبر المعقول والصورة المنقولة.

إنّ مشاهد الدمار المتراكم في غزة، إذا لم تحرّك ضمير الرأي العام العالمي، وإذا لم يدرك من يشاهدها هول الكارثة التي يعانيها أهل غزة، فهو لا يشكو ضعفاً في البصر، لكنه فاقد البصيرة التي لا يحرّكها إلّا الضمير الحي، وأنّى للرأي العام العالمي هذا الضمير؟ ولعلّ أفضل ما ينطبق عليه قول الأديب سعيد تقي الدين: «الرأي العام بغل كبير… يصعب عليك جرّ هذا البغل الكبير إلى حظيرة الصواب». وكفانا بقوله شرحاً.

في الحرب العالمية الثالثة التي اندلعت العام الماضي بين روسيا وأوكرانيا، لم نرَ الدمار الهائل في مدينة صغيرة واحدة كما الحال في غزة، لأنّ الحرب الإسرائيلية هي حرب تهجير للشعب الفلسطيني منذ عام 1948، إنّ ذهنية قتل الآخرين وتهجيرهم تسيطر على مخططات الآلة العسكرية الإسرائيلية التي يتحكّم بها حالياً التطرف الديني.

ليس مقبولاً أنّ الدول الكبرى، سواء التي توصف بأنها استعمارية، أم التي لا توصف بذلك، كلما قررت مدّ أنبوب نفط أو شقّ طريق حرير أو «طريق هند»، تنافس تلك، أن تعمد إلى الفتك بالشعوب الصغيرة، كما حدث في مقاطعة آرتساخ في أرمينيا، أو كما يحدث في غزة الآن، ومن يدري ربما يكون لبنان على خارطة التغيير أيضاً!

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى