رأي

التعديلات الوزارية في تونس: الجدوى قبل الولاء

كتب مختار الدبابي في صحيفة العرب.

إقالة وزيري الداخلية والشؤون الاجتماعية تأكيد جديد على أن حياد الدولة يحتاج إلى متخصصين يعملون على تنفيذ الخطط أكثر من حاجتها إلى سياسيين مكانهم النشاط الحزبي والدعائي.

أقال الرئيس التونسي قيس سعيد وزيري الداخلية والشؤون الاجتماعية بعد إقالات سابقة لمسؤولين في وزارات مهمة مثل وزارة التربية. لا يهتم قيس سعيد للجدل من حوله، وليس مهما أن يكون الوزير محسوبا على مسار 25 يوليو 2021 أو من نشطاء مجموعات النظام القاعدي التي دعمت وصوله إلى سدة الحكم. ما يهمه هو الأداء ومدى تنفيذ الوزير لما يريده الرئيس سعيد خاصة في ملفات حساسة اجتماعيا مثل الداخلية أو الشؤون الاجتماعية أو النقل أو التربية.

وبعد سلسلة من الإقالات التي طالت من يصنفون بأنهم من أنصار الرئيس وداعمي مشروعه السياسي يتضح جليا أن قيس سعيد بات على قناعة بأن إدارة الدولة تتطلب التكنوقراط الذين يعملون على تنفيذ الخطط أكثر من حاجتها إلى سياسيين يطلقون التصريحات أكثر من عنايتهم المباشرة بالتفاصيل.

وهذا تأكيد جديد على أن حياد الدولة يحتاج إلى متخصصين في الملفات المختلفة، فيما مكان السياسيين هو النشاط الحزبي والدعائي دون مسؤوليات مباشرة في ملفات حيوية بالدولة.

وجلبت إقالة وزير الداخلية كمال الفقي الاهتمام بصفة خاصة لأن الرجل محسوب على الصف الأول من داعمي قيس سعيد قبل أن يترشح لرئاسة 2019، وشغل في عهده واليا (محافظا) للعاصمة تونس ثم وزيرا للداخلية. والرؤساء عادة لا يعطون الداخلية إلا لثقاة.

وإقالة الفقي كانت رسالة واضحة بأن قيس سعيد لا يهتم لولاء الوزراء (داعمون فكريا وسياسيا لمسار 25 يوليو) ولكن لأدائهم، تماما مثل إقالة محمد علي البوغديري وزير التربية السابق، الذي عرف بتصريحات داعمة لقيس سعيد.

وقد يكون الوزير المقال قد بالغ في تفسير الولاء والاعتقاد بأن أفكاره تتماشى تماما مع ما يفكر به الرئيس سعيد، خاصة في موضوع التوقيفات الأخيرة التي طالت إعلاميين ومحامين ليسوا محسوبين على المعارضة ولم يظهروا في تصريحاتهم عداء للرئيس سعيد، وعلى العكس فقد كان لهم دور، مع أدوار أخرى لقطاعات أخرى، في خلق الظروف الملائمة لنجاح مسار 25 يوليو 2021.

هناك أبواب كثيرة لتأويل هذه الإقالة أو الاستبدال، بعضها يرتبط بأداء الأجهزة الأمنية في موضوع الهجرة وعدم إيجاد حلول سلسة تجنب الدولة الإحراج في الداخل والخارج، ففي الداخل تزداد الأصوات المطالبة بتدخل أكثر جدوى للحد من توزع المهاجرين الأفارقة، وخاصة تمركزهم في مناطق بعينها مثل منطقتي جبنيانة والعامرة في صفاقس، أو المنطقة الحيوية في البحيرة في قلب العاصمة تونس.

 البعض الآخر من التفسيرات لإقالة الفقيه تشير إلى زيادة الجريمة الفردية في وقت يريد فيه الرئيس سعيد سرعة الحسم خاصة في ما يتعلق بوجود ظواهر سلبية قبالة المعاهد والمدارس الإعدادية. مع أن الناس يعرفون جيدا الجهود الكبيرة التي تبذلها أجهزة الأمن على مستويات مختلفة.

قد يكون الحماس المبالغ فيه قاد وزير الداخلية إلى فتح جبهة ليس من مصلحة السلطة، في توقيتها على الأقل، وبدلا من توسيع قاعدة الأصدقاء انتهى الأمر إلى توسيع دائرة الخصوم. وما انتهى إليه الفقي كان انتهى إليه وزير الداخلية الأسبق توفيق شرف الدين، إذ يحتاج الوزير أن يتحرك في مربع الرئيس وألا تأخذه الحماسة لبناء مربع خاص به، خاصة أن الأمر يتعلق بمؤسسة ذات أهمية سياسيا واجتماعيا، وهي أحد مقاييس النجاح.

وأظهرت إقالة الوزراء محل الثقة أن قيس سعيد لديه مقاييس دقيقة وواضحة، وأن ما يهمه هو النجاح في المهمة والالتزام بالضوابط المحددة، وأن الولاء لمسار 25 يوليو لن يمثل مظلة للأخطاء. حصل هذا مع وزراء آخرين كانوا يطلقون التصريحات التي تؤكد الولاء وتكيل المديح للرئيس سعيد. لكن ذلك ليس مقياسا.

ونأتي الآن لوزير الشؤون الاجتماعية المقال منذ أيام قليلة مالك الزاهي، الذي تسلم ملفا حساسا بالنسبة إلى الرئيس سعيد وتتركز حوله توجهاته وخطابه الذي يقوم على خدمة الفئات الضعيفة وتحسين الخدمات المقدمة لها من الحكومة، مثل خدمات الصحة أو النقل أو الدعم المباشر الذي تقدمه لهم الدولة من منح وهبات ومساعدات في المناسبات الوطنية أو الدينية.

يعرف الجميع أن عمل الوزارة متوجه بالأساس إلى الفئات الضعيفة، في الأحياء الشعبية المحيطة بالمدن الكبرى، وفي القرى والأرياف، وهي المناطق التي انتخبت قيس سعيد ولا تزال شعبيته ترتفع بينها.

ومن الواضح أن الوزارة قد فشلت في تنفيذ خطط قيس سعيد بشأن توسيع قاعدة المستفيدين من دعم الدولة (من الفئات الضعيفة). والأمر لا يتعلق فقط بموعد الانتخابات الرئاسية المقررة لنهاية العام، فمنذ 25 يوليو 2021 كان الاهتمام بالفئات الضعيفة مركزا دائما في اجتماعات قيس سعيد وقراراته حتى وإن كانت كلها تأتي في سياق التزام الدولة، أي تخصيص مبالغ شهرية لأوسع قاعدة ممكنة من منعدمي الدخل أو توزيع منح في المناسبات الاجتماعية والدينية مثل العودة المدرسية أو رمضان لمساعدة الناس على مجابهة تعقيدات الحياة.

وكان من ضمن تلك الإجراءات تسوية أوضاع عمال الحضائر، وهؤلاء بالآلاف ممن تم توظيفهم في أعمال بسيطة مرتبطة بأجهزة الدولة ووزاراتها، وذلك بعد الثورة في سياق تهدئة السلم الاجتماعي والتغطية على عجز الحكومات المتعاقبة عن تقديم حلول اقتصادية فعالة توفر المزيد من فرص العمل. ووجد قيس سعيد نفسه مجبرا على تنفيذ التزام الدولة بتسوية أوضاع هؤلاء وتنفيذ ما تهرب منه المسؤولون السابقون.

إن إقالة الوزراء أو تعيينهم ليس هدفا في حد ذاته. الهدف هو قياس النتائج وتقييم العمل. لا يعترف قيس سعيد إلا بالمردودية والكفاءة والقدرة على تحمل المسؤولية في العمل. لا يوجد مسؤول محمي من الإقالة والمحاسبة في حال فشله وتراخيه في خدمة الشعب.

المحاسبة ليست معقدة، من فشل يتنحى عن مهمته ويترك المهمة لغيره. لا اعتبار في ذلك سوى مصلحة الدولة. لم يكن هناك شركاء في الحكومة حتى يتم التعيين وفق محاصصة حزبية أو ترضية لجهة نافذة، كما كانت تفعل حكومات سابقة بتعيين مقربين من اتحاد الشغل، خاصة وزير الشؤون الاجتماعية.

وإذا عملنا جردا لأهم الإقالات لوجدنا أن قيس سعيد يقيل وزيرا إذا وجد أن تأثيره محدود في وزارته وأنه فشل في أن يجند طواقمها لتحسين أوضاع الناس في الشؤون الاجتماعية أو النقل أو الداخلية أو غيرها. كما أن الوزير يحتاج إلى العمل من دون إثارة خلافات من حوله، فدوره أن يحل المشاكل لا أن يضيف مشاكل جديدة، وخاصة إثارة انتقادات الناس لأداء الحكومة مثل وزير التربية السابق الذي اتهم بالمبالغة في المعارك مع النقابات من دون مراعاة تأثيرها على أداء المؤسسة التربوية وخاصة في التعليم الابتدائي.

وزيرة الثقافة السابقة حياة قطاط مثلا لم تكن مشكلتها في الأداء، ولكن في علاقتها بالعاملين في الوزارة وبالمثقفين والفنانين، وما كانت تؤاخذ عليه هو الحدة في التعامل مع قطاع متنوع وحساس. فوزير الثقافة يفترض أن يكون فاعلا بين أهل القطاع وجزءا منهم لا منكفئا على نفسه، وأن يستمع إلى الجميع بمن في ذلك من يختلف معهم بأن يحوّلهم إلى أصدقاء لا إلى خصوم كما فعلت الوزيرة المقالة.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى