“التعامل مع إيران يجب أن يكون مثل التعامل مع روسيا”
كتب سركيس نعوم في “النهار”:
عن سؤال يتعلّق بطلب دولتي فنلندا والسويد الانضمام الى حلف شمال الأطلسي بعد إعلان #روسيا الحرب على #أوكرانيا منذ 24 شباط الماضي، أجاب المسؤول المهم السابق في وزارة أميركية أساسية تركها قبل بلوغه السن القانونية للتقاعد، وتابع العمل لمصلحة بلاده في مجالات أخرى، قال: “طلبت أوكرانيا الانضمام الى حلف شمال الأطلسي منذ سنوات طويلة، لكنه يعني، من دون مناقشة أو بالأحرى من دون بتّ، اجتياح القوات العسكرية لها. هل سيُقبل طلب الانضمام إليه الذي قدّمته فنلندا أو السويد في سرعة؟ رغم رغبة الدولتين المذكورتين في ذلك أعتقد أن تلبية طلبهما الانضمام الى “الأطلسي” صعب، إذ يعني ذلك توسيع مساحة الدمار الحالية وتعميمه. فالـ1300 كيلومتر وهي الحدود البرّية بين روسيا وأوكرانيا ستصبح في حدود 2600 كيلومتر بعد انضمام السويد الى الحلف وستكون السيطرة عليها له، وفي ذلك تهديد كبير لها. وهذا أمرٌ لن تقبله موسكو”.
علّقت: أعتقد أن أميركا لم تعطِ تهديدات روسيا وأعمالها العدائية قبل اجتياحها الأخير لأوكرانيا ما تستحق من اهتمام. فعام 2008 سلخ الرئيس الروسي بوتين، بعمل عسكري نفّذه الجيش الروسي، منطقتين مهمتين في جمهورية جورجيا السوفياتية سابقاً هما أفخازيا وأوسيتيا وأعلنهما جمهوريتين مستقلتين ووضعهما تحت حماية بلاده. في عام 2014 استجاب بوتين لمطالبات الأوكرانيين المن أصل روسي الانفصال عن أوكرانيا بعد زوال السيطرة الروسية عليها بواسطة زعامات وأحزاب موالية لموسكو. ربما يكون هو الذي حرّض على ذلك، فقدّم لهم المساعدات العسكرية المتنوّعة واللازمة ودفع الجيش الروسي الى مساعدتهم عملياً بوسائل متنوّعة، ونجح في النهاية في فصل مقاطعتين هما دونيتسك ولوغانسك أو لوهانسك عن أوكرانيا وفي إبقائهما كذلك بمساعداته العسكرية والحماية المباشرة لجيشه. في العام نفسه أي 2014 احتل بوتين شبه جزيرة القرم الأوكرانية ثم ضمّها الى بلاده معتبراً أنها كانت روسية أصلاً لكن القيادة السوفياتية في حينه وهبتها لأوكرانيا الداخلة في فلك الاتحاد السوفياتي. سؤالي هنا هو: ألم يكن “تطنيش” الرئيس الأميركي جورج بوش الابن عن فصل روسيا مقاطعتين جورجيتين عام 2008 ثم “تطنيش” خلفه الرئيس باراك أوباما عن فصل مقاطعتين في الدونباس الأوكرانية ولاحقاً عن ضمّها جزيرة القرم، ألم يكن ذلك إقراراً بالموافقة على الأعمال الثلاثة؟ أولم يدفع ذلك روسيا بل رئيسها بوتين الى الاعتقاد أن أميركا غير قادرة على المواجهة وعلى حماية حلفائها أو غير راغبة في ذلك، ولاحقاً أي في شباط من العام الجاري الى غزو أوكرانيا والتلويح بالرغبة في إبعاد حلف شمال الأطلسي عن حدودها، وأيضاً في استعادة جمهوريات كانت تحت سيطرتها يوم كان اسمها الاتحاد السوفياتي؟ أجاب المسؤول السابق نفسه في وزارة أميركية أساسية عن هذا السؤال، قال: “ما تقوله صحيح فهو عبارة عن وقائع وأحداث عسكرية تاريخية نفّذتها روسيا ولم تقم الولايات المتحدة بأيّ ردّ فعل عسكري عليها وحتى سياسي. لكن يجب تقدير ظروف الرئيس جورج بوش الابن في حينه وتفهّم امتناعه عن القيام بردّ فعل رافض للاعتداء الروسي على دولة مستقلة هي جورجيا تُعدّ موالية للغرب وزعيمته أميركا، إذ كان بوش الابن عام 2008 على أبواب انتهاء ولايته الرئاسية الثانية وتسليم البيت الأبيض الى خلفه الفائز في الانتخابات باراك أوباما. كانت عملية “عاصفة الصحراء” في أوجها. ويجب في الوقت نفسه تقدير ظروف أوباما، إذ كان رئيساً أسود البشرة يُنتخب للمرة الأولى للمنصب الرفيع أو الأرفع والأعلى في أميركا. لهذا فإنه تحاشى إدخال جيش بلاده في مغامرة عسكرية بل في حرب مع روسيا رداً على احتلالها مقاطعتي “الدونباس” وشبه جزيرة القرم. وقد اتخذ أوباما الموقف نفسه في ليبيا من الأحداث العنفية (الثورة أو الربيع العربي) التي انتشرت في مناطقها أو ولاياتها الثلاث، وكادت تتسبّب بحرب أهلية من جرّاء تصدّي الرئيس معمّر القذافي لها في البداية. لكنه أي أوباما بعد إلحاح إيطاليا وربما بريطانيا قال: “الجيش الأميركي ينفّذ أي قصف للمؤسسات العسكرية كلّها داخل ليبيا”. لكن التطوّرات تسبّبت باستقالة الحكومة الليبية وانفراط الدولة وقتل رئيسها. وصارت ليبيا على الحال التي تعيشها اليوم، أي غياب الدولة وانقسامات داخلية سياسية وأهلية وإسلامية وسلطوية وجهوية. لا يبدو أن انتقالها الى حال أحسن يضعها على طريق إعادة بناء مؤسسات الدولة وتالياً الاستقرار الوطني والسياسي والأمني والاقتصادي”.
ماذا عن #إيران؟ سألت. أجاب المسؤول المهم السابق نفسه في وزارة أميركية أساسية: “يجب التعامل مع إيران بالطريقة نفسها التي يجري التعامل بها مع روسيا. فالإيرانيون أناس أذكياء وشعب ذكيّ. هدف الروس تجميع كل ما يمكنهم من معلومات عن أميركا. وهدف الصين سرقة كل اختراعاتها وحتى اختراعات غيرها ولا سيما الاقتصادية منها. أمّا إيران فإن هدفها هو معرفة كل شيء عنك والتغلغل في مؤسّساتك واستعمال معلوماتك لضرب كل معارضيها من الإيرانيين سواء داخل بلادهم أو خارجها. كان هناك شخص إيراني يحمل جنسية سويدية. دخل مؤسسات أميركية عدّة وكان ضيفاً شبه دائم على التلفزيونات ووسائل الإعلام الأخرى حيث أدلى بآرائه وكان مرحاً في إطلالاته. سأله مرة مقدّم أحد البرامج التلفزيونية التي اشترك فيها: “هل معك جنسية أميركية؟” فأجاب: “جنسيتي سويدية”. فهل يُعقل أن يعمل شخص مثل هذا بحرّية في المجتمع الأميركي ويُترك لحال سبيله؟ إن الإيرانيين أذكياء. يجب التعامل مع إيران مثلما يجري التعامل مع روسيا ورئيسها بوتين لأن شعبها خطر. يدخل الإيرانيون أميركا وغيرها باعتبارهم ديبلوماسيين، لكنّهم يعدّون لعمليات تفجير واغتيالات وغيرها… وعند “الحزّة” يهربون. لكنّ أحد هؤلاء وقع في قبضة القانون على ما أعتقد وأخذ المحقّقون معه كلّ التفاصيل”. هل يتحدّث الإعلام في أميركا وإداراتها عن ذلك كله؟ سألت. بماذا أجاب؟