صدى المجتمع

التطرف المناخي يهدد نحو نصف سكان الأرض بالجوع

ينقص الاحتباس الحراري من إنتاجية الأراضي الزراعية بعد أن تسبب الجفاف من مناطق عدة في العالم بنقص المحاصيل الزراعية، فيما انعدم النشاط الزراعي في مساحات مهمة بسبب نضوب أو نقص المياه.

إلى ذاك، ينعكس انبعاث الغازات الدفيئة سلباً على الغابات المنتشرة على سطح الأرض والحيوانات بها ما يسهم بدوره في تدهور المناخ بحكم مفعول التوازن البيئي ودوره في تشكل الطقس.

وتراجعت مساحة الغابات، إذ خسر العالم نحو 178 مليون هكتار من الغابات منذ سنة 1990 وفق بيانات منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “فاو”.

في غضون ذلك، يعتمد ملايين الأشخاص على الغابات من أجل ضمان أمنهم الغذائي وسبل عيشهم، مما يدعو إلى العمل على حماية الغابات لصيانة الموارد الغذائية للسكان في مرحلة أولى ولدورها في الحد من آثار تغير المناخ في المراحل التالية.

وإن فقدت الغابات جملة من مساحاتها لفائدة أنشطة اقتصادية متنوعة تستمد منها المواد الأولية فإنها تخسر الملايين من الهكتارات لفائدة الأراضي الزراعية، وبالنظر لفقدان الأراضي الزراعية لنسبة من إنتاجيتها بسبب الاحتباس الحراري الناجم بدوره عن سوء استغلال المساحات المزروعة واستنزافها، دعا المتخصصون إلى ضرورة مراجعة طريقة استخدام الأراضي الزراعية، كحل لتغير المناخ وضمان استقرار سلة الغذاء ودرء سوء التغذية.

على حافة المجاعة

في الأثناء، كشفت الشبكة العالمية لمكافحة الأزمات الغذائية عن أن ربع مليار شخص يعانون انعدام الأمن الغذائي الحاد حتى عام 2022، بل في حاجة إلى المساعدة الغذائية العاجلة بسبب الجوع الحاد، إذ إنهم على حافة المجاعة.

في الوقت نفسه يواجه نحو 258 مليون شخص في 58 بلداً انعدام الأمن الغذائي بزيادة قدرها 193 مليون شخص مقارنة بـ53 بلداً في عام 2021، في تطور حاد يعد هو الأعلى على الإطلاق.

وإن مثلت الزيادة في عدد السكان أحد الدوافع فإن عام 2022 شهد ارتفاع انعدام الأمن الغذائي المصنف بـ”الحاد”، ويتوزع السكان المصنفون على قارتي آسيا وأفريقيا وبالتحديد في أفغانستان والكونغو وإثيوبيا وأجزاء من نيجيريا واليمن والصومال وبوركينا فاسو وهايتي وجنوب السودان. إذ عانى نحو 35 مليون شخص من مستويات طارئة من الجوع الحاد في 39 بلداً، ويعيش أكثر من نصفهم في أربعة بلدان فحسب هي: أفغانستان والكونغو والسودان واليمن، وتمثل الظواهر المناخية المتطرفة أحد أهم أسباب انعدام الأمن الغذائي الحاد وسوء التغذية إضافة إلى النزاعات، إذ تعد الدافع الرئيس في 12 بلداً، وفق الشبكة العالمية لمكافحة الأزمات الغذائية.

وتجسدت الظواهر الطبيعية في الجفاف المستمر في دول القرن الأفريقي (إثيوبيا وإريتريا وجيبوتي والصومال والسودان وأوغندا) والفيضانات المدمرة في باكستان والعواصف الاستوائية والأعاصير والجفاف في أفريقيا الجنوبية.

إلى ذلك، يعاني 31.1 مليون شخص حالياً من انعدام الأمن الغذائي في منطقة القرن الأفريقي، إضافة إلى تفاقم حالات الجفاف والفيضانات بسبب التغير المناخي في أميركا الوسطى وآسيا ومنطقة البحر الكاريبي والمحيط الهادئ.

وأدى الجفاف في المناطق الاستوائية إلى تعريض المحاصيل وسبل العيش للضمور، إذ لا يتوفر الطعام الكافي لـ39 مليون شخص في بلدان جنوب القارة الأفريقية، بسبب الجفاف الذي أضر بالزراعة.

الغازات الدفيئة تعمق الفجوة
ونشأ عن انبعاثات الغازات الدفيئة وتغير المناخ وسيره نحو مزيد من مواسم الجفاف ندرة الأغذية والاتجاه إلى التوريد من المناطق الأقل تضرراً، وارتفعت أسعار المواد الغذائية في عام 2022 في جميع أنحاء العالم ما صعب من الحصول على الأغذية، خصوصاً في البلدان المنخفضة الدخل، التي تنفق الجزء الأوفر من دخلها على الغذاء وتعد أكثر تأثراً بارتفاع أسعار المواد الغذائية.

وتعمق تضخم أسعار الأغذية مع اندلاع الحرب في أوكرانيا، بعد أن تسببت في تراجع حجم العرض في مواجهة تنامي حجم الطلب الناتج من الجفاف.

وزادت الفجوة بين المناطق القاحلة والبلدان المنتجة للأغذية، وفق بيانات البنك الدولي.

قسوة المناخ وبطء النمو

الزراعة تمثل الحل الأوحد لمواجهة أخطار فقدان الغذاء واضطرابات السوق، لكنها مهددة بالتطرف المناخي الدافع لنقص المحاصيل، في المقابل حمل خبراء المناخ الأنظمة الزراعية مسؤولية انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 30 في المئة.

وترى نائبة رئيس الهيئة الحكومية الدولية لخبراء تغير المناخ IPCC فاليري ماسون ديلموت أن “الزراعة وأسلوب استخدامات الأراضي تتسبب في 23 في المئة من انبعاثات الغازات الدفيئة وبإضافة الصناعات الغذائية ترتفع هذه النسبة إلى 37 في المئة”.

وأضافت أن الأرض تمتص ثاني أكسيد الكربون بما يعادل ثلث انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الوقود الأحفوري والصناعة”، مشيرة إلى أن ظاهرة الاحتباس الحراري تخلق تحدياً كبيراً يعرض الأمن الغذائي العالمي للخطر. وتابعت أن “تغير المناخ يقلل من مساحات الزراعة، ويزيد أسعار السلع الزراعية ويؤثر في السلسلة الغذائية بأكملها”.

ولفتت إلى أن العالم ينتظر الأسوأ لأنه من خلال زيادة شدة وتواتر الظواهر المتطرفة من الأمطار الغزيرة، والجفاف، وموجات الحر، إذ يؤدي تغير المناخ إلى زيادة ضعف الأراضي”، مشيرة إلى أن هذه هي الحال خصوصاً في المناطق القاحلة، التي تشغل أكثر من 46 في المئة من مساحة الأرض وتضم ثلاثة مليارات شخص أو أقل بقليل من 40 في المئة من سكان العالم. وتثير القضية القلق أكثر لأن هذه المناطق أيضاً بطيئة النمو حيث الفرص منخفضة، ويبدو سكان أفريقيا وآسيا أكثر تعرضاً لعواقب التصحر المتزايد.

ومع تسارع تآكل التربة واختفاء الكتلة الحيوية الأرضية، تستغل الزراعة ثلث إجمالي مساحة اليابسة وثلاثة أرباع المياه العذبة على الكوكب. وارتفاع درجة حرارة الأرض فوق 1.5 درجة مئوية يمثل أخطاراً كبيرة على الأمن الغذائي، أما فوق درجتين مئويتين، فهي مرتفعة للغاية.  ولضمان الأمن الغذائي لسكان العالم، الذين سيصل عددهم إلى 11 مليار نسمة في عام 2100، عبر مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري، فكشف عضو الهيئة الحكومية الدولية لخبراء تغير المناخ باسكال فان إيبرسال، أن “الهيئة اقترحت تقنيات زراعية مستحدثة مقتصدة للمياه ومنتجة للطاقة عن طريق النفايات مع تقليل ثاني أكسيد الكربون، إضافة إلى تغيير أنماط النظام الغذائي والاستهلاك التي اتضح انها أحد أسباب ظاهرة الاحتباس الحراري”.

ولا ينصح فإن إيبرسال بالتوقف عن استهلاك اللحوم مثلاً، بل بالتقليل منها، قائلاً “بعض الأنظمة الغذائية تتطلب مزيداً من الماء وتسهم بصورة أكبر في تغير المناخ”، داعياً إلى أهمية تبادل التكنولوجيات المقترحة مع البلدان الأقل نمواً.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى