التصعيد في الشرق الأوسط من نافذة موسكو

كتب محمد حسن الساعدي, في العرب:
إزالة النظام الإيراني تُعد خطرًا إستراتيجيا لروسيا لأن أيّ نظام سياسي بديل في إيران سيكون أقل ميلًا لروسيا كما أن استهداف النظام الإيراني سيؤدي إلى صعود الميول الانفصالية القومية فيها.
ربما من السابق لأوانه الحديث عن انتهاء حرب الـ12 يومًا، بسبب صعوبة تقييم الآثار التي ترتبت على الضربة، كما أن من الصعب تحديد موقع الـ400 كيلوغرام من اليورانيوم التي أخفتها إيران. كذلك، لا تزال الخلافات العميقة بين إيران والغرب قائمة، ما يشير إلى احتمالية تجدد الضربات مستقبلًا.
تُعد روسيا المستفيد الرئيسي من ارتفاع أسعار النفط في حال تجدد القتال، حيث يمكن أن تشتت الحرب الأنظار عن الحرب الروسية – الأوكرانية. إلى جانب ذلك، يمكن أن تعزز هذه الأزمة من أهمية روسيا كطرف يساعد على تهدئة الصراع، ومن خلال هذا الدور، قد تعود موسكو إلى واجهة سياسات الشرق الأوسط وتستعيد نفوذها الإقليمي الذي أصبح موضع تساؤل بعد السقوط المفاجئ والكارثي لنظام بشار الأسد في سوريا. ورغم إدانة الكرملين للضربات الإسرائيلية على إيران، إلا أنه نجح في الحفاظ على علاقات عمل مع الدولة اليهودية، علماً بأن إسرائيل لا ترغب في دخول طرف ثالث في الصراع.
الأزمة بين إيران وإسرائيل تنطوي على العديد من المخاطر والتكاليف المحتملة لموسكو. والحقيقة أن روسيا لم تنجح في منع الغارات الجوية الإسرائيلية المباشرة وواسعة النطاق ضد دولة وقّعت معها قبل أقل من خمسة أشهر معاهدة الشراكة الإستراتيجية الشاملة. إلى جانب ذلك، شعر الإيرانيون بخيبة أمل من ردة فعل روسيا تجاه الإجراءات الإسرائيلية والأميركية، وهذه الخيبة ستُلقي بظلالها على مستقبل العلاقات الروسية – الإيرانية.
◄ موسكو ستتركز في تعاملها مع الأزمة الحالية على الأدوات الدبلوماسية، وقد يستخدم بوتين اتصالاته الشخصية مع ترامب لتحذير الأخير من الآثار السلبية المحتملة لتدخل أميركي أعمق في الصراع الإيراني – الإسرائيلي
يبدو أنه من الناحية الإستراتيجية ليس لدى روسيا الكثير لتكسبه، بل الكثير لتخسره في حال تفاقم الأزمة في الشرق الأوسط. فأيّ تصعيد سيظهر مدى الضعف الذي يعاني منه مجلس الأمن الدولي، كما أن مقترحات روسيا في مجلس الأمن قد تُتجاهل بخصوص نظام الأمن الجماعي، وهذا قد يؤدي إلى اضطراب العلاقات الروسية – الإسرائيلية، وهو أمر لا يخدم المصالح الإستراتيجية لروسيا.
إزالة النظام الإيراني ستُعد خطرًا إستراتيجيا لروسيا، لأن أيّ نظام سياسي بديل في إيران سيكون أقل ميلًا لروسيا. كما أن استهداف النظام الإيراني سيؤدي بالتأكيد إلى صعود الميول الانفصالية القومية فيها، وتسلل المتطرفين السياسيين من الخارج، وتفاقم الأزمة السياسية، واللاجئين، والهجرة القسرية، وغيرها من مظاهر الدولة الفاشلة. هذا يعني أن المصالح الاقتصادية المشتركة ستتراجع، وقد تنسحب إيران من المنظمات الاقتصادية مثل بريكس وشنغهاي، وسيمتد عدم الاستقرار إلى آسيا الوسطى وأفغانستان والقوقاز.
تستبعد روسيا وشركاء إيران من الدول الأخرى هذا السيناريو، إذ أن أيّ محاولة لاستهداف النظام السياسي ستكون نتيجة تفاقم الصراعات داخل المؤسسة السياسية الوطنية، كما حدث مع الاتحاد السوفياتي عام 1991. وبقراءة التاريخ، يظهر أن لدى النظام السياسي الإيراني مرونة عالية واستدامة مبهرة حتى في ظل أعتى الظروف.
إيران في حاجة إلى أنظمة دفاع جوي متطورة مثل إس – 500، القادر على اعتراض جميع أنواع الأهداف الجوية تقريبًا، بما في ذلك أحدث الصواريخ فائقة السرعة. فإذا حصلت إيران على نظام الدفاع الجوي إس – 500 مع الأسلحة المرافقة له مثل طائرات السوخوي سو – 35، فسيكون ذلك نقطة تحول في المواجهة الإيرانية – الإسرائيلية، حيث لن تتمكن إسرائيل من شن غاراتها الجوية على الجمهورية الإسلامية دون عقاب أو بخسائر محدودة للغاية.
بالمقابل، لدى روسيا مصالح إستراتيجية مع إسرائيل، منها الجالية الروسية الكبيرة في إسرائيل، وأن إسرائيل لم تطبق العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على روسيا، وأن الانفصال عن إسرائيل سيحرم الكرملين من قدرته على لعب دور متوازن في منطقة الشرق الأوسط من خلال الحفاظ على علاقات بناءة مع جميع أطراف الصراعات الإقليمية العديدة.
ستتركز موسكو في تعاملها مع الأزمة الحالية على الأدوات الدبلوماسية، وقد يستخدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتصالاته الشخصية مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتحذير الأخير من الآثار السلبية المحتملة لتدخل أميركي أعمق في الصراع الإيراني – الإسرائيلي. كما تستطيع روسيا مساعدة إيران في بناء المفاعلات النووية، ومن الأهمية الحالية إقناع طهران بعدم الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي والحفاظ على علاقات عمل مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.