التصعيد على الحدود اللبنانية – السورية

تتزايد التساؤلات حول مستقبل الحدود اللبنانية – السورية في ظل تصاعد التوترات الأمنية والسياسية، مدفوعة بجهود إقليمية ودولية لإحداث تغيير في المعادلة القائمة. ويبدو أن هذه التطورات تأتي في سياق محاولات لإعادة تشكيل النفوذ على طول الحدود، لا سيما في المناطق التي تُعتبر ضمن دائرة التأثير المباشر لحزب الله.
فقد شهدت الفترة الأخيرة تصاعداً في اللهجة السورية الرسمية تجاه حزب الله، إذ حمّل النظام الجديد في دمشق الحزب مسؤولية الفوضى الأمنية على الحدود. ورغم أن الحوادث الأخيرة تنحصر في الغالب بين مجموعات تهريب، فإن التصريحات السورية الأخيرة تعكس رغبة في استثمار هذه التوترات لإعادة رسم العلاقة بين الطرفين.
ويُشير توجيه الاتهامات لحزب الله بضلوعه في أحداث الساحل أو مسؤوليته عن تصعيدات أمنية إلى أن النظام السوري الجديد يسعى إلى توظيف هذا الملف لتحقيق مكاسب سياسية، سواء داخليًا لتعزيز قبضته الأمنية وسط الفوضى المتزايدة، أو خارجيًا من خلال تقديم نفسه كشريك دولي في ضبط الحدود.
حيث ادّعت وزارة الدفاع السورية يوم أمس، في بيان، بأن “مجموعة من حزب الله خطفت ثلاثة من عناصر الجيش العربي السوري على الحدود السورية – اللبنانية قرب سد زيتا غرب حمص، قبل أن تقتادهم إلى الأراضي اللبنانية وتقوم بتصفيتهم ميدانياً”
على الجانب اللبناني، تعاملت الدولة بحذر مع التطورات، ونفت قيادة حزب الله أي صلة لها بالحوادث الأخيرة، وأكد الجيش اللبناني أن الجثث الثلاث التي أثارت التوتر قُتلت داخل الأراضي السورية، وليس للبنان دور في الاشتباك. وعلى الرغم من ذلك، شهدت القرى اللبنانية الحدودية تصعيدًا خطيرًا تمثل في قصف عشوائي أدى إلى سقوط ضحايا وتهجير عدد من السكان.
ورغم تعزيز الجيش اللبناني لمواقعه على الحدود، إلا أنه لم يرد حتى الآن على مصادر النيران، ما يعكس رغبة في تجنب التصعيد والانجرار إلى مواجهة أوسع. في المقابل، يبدو أن دمشق تستغل الحادثة للضغط من أجل ترتيبات جديدة على الحدود، قد تشمل تعزيز الوجود العسكري السوري أو حتى الدفع نحو إعادة النظر في مهام القوات الدولية التي تقف خلفها الولايات المتحدة وإسرائيل، والتي تطالب بتوسيع نطاق عمليات القوات الدولية لتشمل كامل الحدود الشرقية للبنان.
و تلعب التدخلات الخارجية، خصوصًا من الولايات المتحدة وبعض الدول الإقليمية، دورًا محوريًا في تحريك المشهد. فالتقارير تشير إلى مساعٍ أميركية لزيادة الضغط على حزب الله من خلال الحكومة اللبنانية، تحت تهديد منح إسرائيل ضوءًا أخضر لتصعيد عملياتها العسكرية.
هذا الضغط لا ينفصل عن المساعي الإسرائيلية المستمرة لاستهداف قيادات حزب الله في جنوب لبنان، كما يظهر في عمليات الاغتيال الأخيرة باستخدام الطائرات المسيّرة. فالتصعيد على الحدود السورية قد يكون جزءًا من خطة أشمل للضغط على حزب الله.
ومن الواضح أن التوتر على الحدود اللبنانية – السورية ليس مجرد نتاج لحوادث أمنية معزولة، بل يعكس صراعاً أوسع. وبينما يسعى النظام السوري إلى توظيف الملف لتعزيز موقعه الداخلي والخارجي، فإن حزب الله يواجه تحديات متزايدة على أكثر من جبهة.
الخيارات أمام لبنان محدودة، فهو يواجه ضغوطاً دولية متزايدة، وتحديات أمنية داخلية، وتوترات إقليمية قد تتصاعد إلى مواجهة غير محسوبة. ما سيحدد مسار الأمور هو مدى نجاح الوساطات السياسية في احتواء التصعيد، ومدى قدرة الأطراف المختلفة على ضبط النفس لتجنب الانجرار إلى مواجهة أوسع ذات تداعيات غير محسوبة.
*رأي سياسي*