التصعيد الاسرائيلي في غزة والسيناريوهات المستقبلية

بعد أكثر من شهرين من الهدوء النسبي الذي ساد قطاع غزة منذ توقيع وقف إطلاق النار في كانون الاول من هذا العام انهارت فجر امس الهدنة التي كان متفق عليها قبل الانتقال الى المرحلة الثانبة من الاتفاق لتعاود إسرائيل شن ضربات جوية مكثفة على القطاع غزة. هذا التصعيد هو بمثابة بداية لمرحلة جديدة في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، حيث توعدت إسرائيل بمواصلة الهجوم على حماس بقوة أكبر، وهدد رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو ان المفاوضات ستجرى تحت النار، ما يثير العديد من الأسئلة حول دوافع التصعيد وتأثيراته على الأرض.
و كانت الهدنة التي تم التوصل إليها في كانون الاول قد حملت بعض الآمال في تهدئة الأوضاع، إذ قدمت فترة من الراحة لسكان غزة الذين عانوا طويلاً من الحرب. لكن الهجوم الأخير أظهر أن الوضع لا يزال هشًا، حيث تبادلت كل من إسرائيل وحماس الاتهامات بخرق الهدنة والانقلاب على الاتفاق. في حين يرى المسؤولون الإسرائيليون أن حماس هي المسؤولة عن انهيار التهدئة بسبب رفضها المبادرات المقترحة لتمديد الهدنة، تؤكد حماس أن إسرائيل هي من تراجع عن الاتفاق بوقفها للمفاوضات وتأجيل المساعدات.
على الصعيد الإنساني، يعاني قطاع غزة من أزمة إنسانية خانقة جراء القصف المستمر، حيث تُسجل أعداد القتلى المرتفعة وأعداد الجرحى التي تزيد من تعقيد الوضع في مستشفيات غزة المثقلة بالضغط. الأطفال هم من بين أكثر الضحايا تضررًا، حيث تم العثور على جثثهم في مستشفيات ميدانية. وفي السياق نفسه، يتفاقم الوضع الاقتصادي في غزة بسبب الحصار الإسرائيلي المتواصل، مما يزيد من معاناة السكان.
في الاثناء يسود المجتمع الدولي حالة من التوتر بشأن هذا التصعيد. من جهة، تندد كل من مصر وقطر والاتحاد الأوروبي بالهجوم الإسرائيلي، وتدعو إلى استئناف المفاوضات، معتبرة أن وقف إطلاق النار هو السبيل الوحيد لتحقيق سلام دائم. من جهة أخرى، تدافع الولايات المتحدة عن إسرائيل وتعتبر أن حماس هي المسؤولة عن عودة الحرب. حيث حملت تصريحات السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، حماس مسؤولية تصعيد القتال، تمثل موقفًا أمريكيًا دعمًا لإسرائيل.
اما في الداخل الإسرائيلي، يواجه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ضغوطًا متزايدة من حلفائه اليمينيين قد تكون الدافع لاستئناف القتال. فقد انسحب وزير الأمن القومي السابق، إيتمار بن غفير، من الائتلاف الحكومي احتجاجًا على اتفاق وقف إطلاق النار، ليعود لاحقًا بعد التصعيد. كما يعتقد بعض المراقبين أن الضربات الأخيرة كانت بمثابة محاولة لتحويل الأنظار عن القضايا الداخلية الساخنة، مثل محاولات نتنياهو لإقالة رئيس جهاز المخابرات الداخلية الإسرائيلي، و علت الأصوات التي تقول انه بعد موافقة حماس على اطلاق سراح آخر رهينة يحمل لديها من حاملي الجنسية الاميريكة وهو الكسندر عيدان، راود الخوف بنيامين نتنياهو ان تتلكأ الولايات المتحدة في متابعة الضغط على حماس مما دفعه لرفض المقترح واستعجال استئناف القتال.
من جهة اخرى وفي الساعات الأخيرة، ظهر تراجع أمريكي عن المواقف السابقة التي كانت تدعو إلى التهدئة في غزة. فقد تم الإعلان عن وجود تنسيق أمريكي-إسرائيلي بشأن الهجمات الأخيرة، مما أثار تساؤلات حول تغيير في السياسة الأمريكية. وعكس الحديث عن “الإنذار الأخير” لحماس بالإفراج عن الرهائن تصعيدًا جديدًا في الموقف الأمريكي، دفع للتساؤل عن تأثير هذه التحولات على السياسة الخارجية الأمريكية تجاه غزة والمنطقة بأسرها.
من الواضح أن التصعيد الأخير قد يفتح بابًا لمزيد من العنف في غزة والضفة الغربية. فقد دعت حماس الفلسطينيين في الضفة إلى الانتفاضة رداً على الهجمات الإسرائيلية، ما قد يؤدي إلى تدهور الوضع في الأراضي الفلسطينية. اما السيناريوهات التي يبدو اننا مقبلين عليها فهي تتمثل بإستمرار التصعيد في حال عدم تدخل الوسطاء الدوليّين، مما يزيد من الضغوط الإنسانية والسياسية على المنطقة ويفتح الباب امام التساؤل عما اذا الرئيس الاميركي قد ضرب عرض الحائط بالاعتراضات العربية ويسير بإتجاه تنفيذ “ريفييرا غزة”.
اذاً، الواقع في غزة يتسم بالتعقيد الشديد، حيث يتداخل الصراع العسكري مع التوترات السياسية والإنسانية. ليتبين أن أفق حل النزاع لا يزال بعيدًا، إذ تتداخل فيه العديد من العوامل المحلية والدولية. ومن هنا، يصبح من الضروري متابعة الوضع عن كثب، حيث قد تؤدي أي خطوة في الاتجاه الخاطئ إلى تصعيد أكبر.
*رأي سياسي*