كتب حمور زيادة : في الحلقة الأخيرة من مسلسل “لعبة العروش”، يقول تيريون لانيستر (الممثل بيتر دينكلاج) بعد الوصول إلى اتفاق لوقف الحرب: “لا أحد سعيد، ما يعني أنها تسوية جيدة”… وفي السودان، تمضي الأمور نحو تسويةٍ لا أحد سعيدٌ بها، لكم من الصعب القول إنها جيدة، فبعد أن وصلت التفاهمات بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري إلى نقطة متقدّمة برعاية الآلية الثلاثية الدولية، يبدو الاتفاق السياسي قريباً، وهو اتفاق لا يرضي أي طرف، سواء من سيوقعونه، أو الذين وقفوا بعيداً عنه.
بالنسبة للمجلس العسكري، هذا الاتفاق إعلان هزيمة، فبعد أكثر من عام على الانقلاب على الشراكة بين المدنيين والعسكريين، فشل المجلس في تكوين حكومة، كما عجز عن الإيفاء بأيٍّ من وعوده التي أطلقها قائده الفريق أول عبد الفتاح البرهان في بيانه صباح يوم 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، فلم تُكوّن هياكل السلطة الانتقالية، ولا حقّق المجلس العسكري أي توافق سياسي، ولا تحسّنت الأوضاع الأمنية والاقتصادية. وظلت الاحتجاجات الشعبية، والضغوط الدولية تتواصل، حتى أجبر قائد الجيش على إعلان رغبة الجيش في الخروج من السياسة وتسليم السلطة الانتقالية إلى المدنيين في يوليو/ تموز الماضي. وتريد المؤسسة العسكرية بهذه الرغبة الابتعاد عن صدارة المشهد السياسي في البلاد المضطربة، مع الاحتفاظ بمفاتيح القوة الرئيسية، مثل قضايا الأمن، والسيطرة على الاقتصاد، والنفوذ في العلاقات الخارجية بحجّة الأمن القومي والاستراتيجية، ما يترك السلطة المدنية منزوعة الأنياب، تعمل بين مطرقة الشارع وسندان العسكر. لكن الاتفاق الإطاري المطروح حالياً جاء ليقلص هذه الصلاحيات، ويحقق امتيازات أكثر للسلطة المدنية، مع احتفاظ قائد الجيش بمنصبه، ومجلس للأمن والدفاع يرأسه رئيس الوزراء المدني.
تزعج هذه الخطوة مجموعات كثيرة راهنت على المجلس العسكري وانقلابه في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، مثل مجموعات الإسلام السياسي التي وسّعت ماعون تحالفاتها، لتكوّن تيارا إسلاميا واسعاً يضم مجموعات صوفية وسلفية وإدارات أهلية، فمجموعات الإسلام السياسي، التي قامت ضدها الثورة السودانية في ديسمبر/ كانون الأول 2019، تعلم أن وسيلتها الوحيدة للعودة إلى السلطة هي التحالف مع المجلس العسكري الذي يبحث عن حليف مدني. لذلك يزعجها جداً هذا الاتفاق الوشيك.
في الوقت ذاته، يزعج هذا الاتفاق مجموعات الكفاح المسلح التي وقعت على اتفاق سلام السودان في جوبا في 2020، إذ عملت هذه منذ دخولها السلطة الانتقالية على إقصاء حليفتها السابقة، قوى الحرية والتغيير، وإبعادها. وأيدت انقلاب العسكر وروّجت أنه إجراءات تصحيحية لمسار الثورة، كان من الضروري اتخاذها. ويتحرّك بعض قيادات هذه الحركات الآن في اتجاه الدخول في التسوية المزمعة بضغوط وإغراءات دولية، لكن ذلك يحدث على مضض وبلا حماس حقيقي.
على الجانب الآخر، ترى قوى ثورية عديدة أن الاتفاق تكرار للشراكة المدنية العسكرية الموقعة في 2019، ويعتبرونه خيانة للثورة وأهدافها، لأنه لن يحقق المحاسبة والعدالة الانتقالية. وتريد قوى ثورية (مثل الحزب الشيوعي السوداني وبعض مجموعات لجان المقاومة) الوصول إلى إسقاط كامل للمنظومة الحاكمة، وإقصاء المجموعة العسكرية الحالية ومحاكمتها.
يمثل الاتفاق أيضاً فشلاً لـ”لحرية والتغيير” في إسقاط الانقلاب، لكنها تقول إن هذا هو أقصى ما استطاعت الحصول عليه، وإن ليس في يدها أكثر من ذلك. واعتبر القيادي في “الحرية والتغيير”، العضو السابق في مجلس السيادة محمد الفكي سليمان، أن هذا الاتفاق يحقق 85% من مطالب الثورة، وأنهم عجزوا عن تحقيق أكثر من ذلك. وهو أمر يجعل “الحرية والتغيير” نفسها غير سعيدة، لأنه يضعها أمام مدافع التخوين والتخلي عن مبادئ الثورة ومطالبها، ما يزيد عزلتها في الشارع السوداني، ويجعلها بلا ظهير ثوري تعتمد عليه لتحقيق مكاسب سياسية تخدم التحوّل الديمقراطي.
في ظل هذه المواقف، تولد التسوية السودانية في ظروف معادية جداً. تسوية لا يريدها أحد. لذلك لا نعلم كم ستصمد، وإلى أين ستؤدي. المؤكّد فقط أنها ستنقل الأزمة السودانية إلى مربع جديد.