شؤون دولية

الترقب وعدم اليقين يخيمان على قمة الناتو

تبدأ، الثلاثاء، أعمال قمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) في العاصمة الأميركية واشنطن، في قمة تاريخية تحتفل بمرور 75 عاماً على تأسيس الحلف، لكنها تأتي في وقت محفوف بالمخاطر والتحديات في تاريخ الحلف مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثالث والضجة المتزايدة حول قدرة الرئيس الأميركي جو بايدن على الفوز بإعادة انتخابه، والمخاوف من سياسات الرئيس السابق دونالد ترمب تجاه الحلف إذا فاز بالانتخابات الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

وستكون القمة بمثابة اختبار لقدرات الرئيس جو بايدن على الساحة الدولية، بعد أدائه المرتبك خلال المناظرة الرئاسية وتزايد المطالب بتنحيه عن السباق الانتخابي. ويواجه بايدن تحدياً كبيراً خلال القمة لتهدئة المخاوف وإظهار الكفاءة والتماسك حينما يرحب بقادة 32 دولة في واشنطن. وستخضع تعاملات وأحاديث بايدن مع نظرائه الأوربيين لتدقيق مكثف، خاصة في أعقاب زلات لسان سابقة خلط فيها بين أسماء القادة الأجانب. وستتوجه الأنظار إلى المؤتمر الصحافي الذي سيعقده بايدن في ختام القمة، يوم الخميس، وقدرته على التفاعل مع أسئلة الصحافيين.

جدول الأعمال

يفتتح بايدن والسيدة الأولى جيل بايدن القمة، مساء الثلاثاء، في حفل تذكاري في قاعة أندرو ميلون، حيث تم التوقيع على معاهدة شمال الأطلسي التي أنشأت الناتو في 4 أبريل (نيسان) 1949. وسيخاطب بايدن حلفاء الناتو علناً، بعد ظهر الأربعاء، ويقيم مأدبة عشاء للقادة وزوجاتهم. ويتضمن جدول أعماله، يوم الخميس، اجتماعاً لمجلس الناتو وأوكرانيا وحدثاً مع ما يقرب من عشرين دولة وقّعت اتفاقيات أمنية فردية مع أوكرانيا. وسيختتم القمة بمؤتمره الصحافي ثم يغادر بعدها إلى ولاية ميشيغان، يوم الجمعة، لاستكمال فعاليات حملته الانتخابية.

ويتضمن جدول أعمال بايدن خلال القمة لقاءً ثنائياً مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ولقاء آخر مع رئيس الوزراء البريطاني الجديد كير ستارمر بعد فوز حزب العمال الساحق في الانتخابات. وعلى هامش القمة تستضيف غرفة التجارة الأميركية، يوم الثلاثاء، منتدى الصناعة الدفاعية لقمة الناتو. وتعد القمة هي الأولى التي يشارك فيها العضوين الجديدين فنلندا والسويد. ويشارك في القمة الاتحاد الأوروبي ودول على الجبهة الشرقية لأوروبا مثل مولدوفا وجورجيا والبوسنة والهرسك حيث يدرك قادة الناتو الضغوط الروسية لزعزعة استقرار هذه الدول.

قلق أوروبي من ترمب

يخيم على حلف الناتو حالة من الترقب والحذر والاستعداد لما ستسفر عنه الانتخابات الأميركية من نتائج، نظراً لأن الولايات المتحدة هي أحد الأعضاء المؤسسين لحلف الناتو وتساهم بأكبر جيش في الحلف. ومازالت تصريحات ترمب حول تشجيع روسيا على القيام بكل ما تريد ضد الحلفاء الذين لم يدفعوا فواتيرهم، تثير قلق واسع النطاق في أوروبا حول السياسات التي سيقدم عليها ترمب في ولايته الثانية تجاه حلف الناتو.

وقد هدد ترمب بالانسحاب من الحلف وهو ما يعني تقويض الحلف من خلال حجب التمويل الأميركي واستدعاء القوات الأميركية من أوروبا، وحتى بدون فوز ترمب فإن القلق يسود الحكومات الأوروبية من تراجع تدفق المساعدات الأميركية مما يزيد من فرص تقدم روسيا وزعزعة الاستقرار. ويعد الأوروبيون بالفعل خطط طوارئ لإدارة ترمب المستقبلية.

ويدرك الدبلوماسيون أن ترمب إذا عاد إلى البيت الأبيض قد يختار قطع الدعم العسكري لكييف وأن يُمكّن روسيا من تعزيز سيطرتها على الأراضي التي استولت عليها في أوكرانيا، لذا يري قادة الحلف أن أفضل طريقة لضمان أمن أوكرانيا على المدى الطويل هو منحها المزيد من القدرات العسكرية لهزيمة روسيا، وهو ما يعني تسريع تسليم أنظمة الدفاع الجوي والطائرات والصواريخ طويلة المدى وتطوير إنتاجها الدفاعي لتقليل اعتمادها على الغرب.

وتشهد أوروبا انتخابات وطنية وإقليمية أدت إلى صعود التيارات الشعبوية اليمينية المتطرفة التي تثير الشكوك في مدى أهمية حلف شمال الأطلسي، وهو ما يثير رياحاً سياسية معاكسة من جانبي المحيط الأطلسي، وتخيّم على الاجتماعات التي وصفها ديفيد إغناتيوس الكاتب بصحيفة «واشنطن بوست» قائلاً إن «القمة ستتحول من مشهد مُنسق إلى المشهد الأكثر إثارة للقلق في العصر الحديث».

ثلاث قضايا

صرّح ينس ستولتنبرغ الأمين العام لحلف شمال الأطلسي أن القمة ستركز على ثلاثة مواضيع، الأول هو تعزيز دفاع الحلفاء والردع، والثاني هو دعم جهود أوكرانيا للدفاع عن نفسها، والثالث هو الاستمرار في تعزيز الشراكات العالمية لحلف شمال الأطلسي خاصة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

وأشار مسؤول أميركي كبير للصحافيين، يوم الجمعة الماضي، أن حلف شمال الأطلسي وضع مفهوم استراتيجي جديد في قمة مدريد قبل عامين يرتكز على جهود تعزيز الدفاع والردع، واتفق قادة الحلف في فيلنيوس على خطط لتحقيق هذه الاستراتيجية، لذا ستركز قمة واشنطن على تنفيذ هذه الخطط لردع أي هجوم والدفاع عن التحالف من خلال زيادة الإنفاق الدفاعي ورفع مستويات الاستعداد وتعزيز القيادة والسيطرة والتدريبات الدفاعية الجماعية.

وترجمه ذلك تعني زيادة الإنفاق الدفاعي الأوروبي بما يتجاوز 2 في المائة وتحويل الإنفاق إلى معدات عسكرية وقدرات حيوية مثل الدفاع الجوي والصاروخي والدفاع السيبراني بما يخفض من احتمالات خوض حرب طويلة الأمد، ويعد ملف دعم أوكرانيا للدفاع عن نفسها في مواجهة روسيا وتعزيز قدرات الردع والدفاع هو البند الأكثر إلحاحاً على جدول أعمال القمة، ولهذا السبب اتفق وزراء دفاع حلف شمال الأطلسي على وضع خيارات الرد على الأعمال العدائية التي تقوم بها روسيا.

أوكرانيا

ملف الحرب الروسية في أوكرانيا هو الذي يتصدر اللقاءات والنقاشات، ومن غير المرجح أن تتلقى أوكرانيا دعوة رسمية للانضمام إلى الحلف خلال أعمال القمة، لكن هناك محادثات حول انضمام كييف إلى الاتحاد الأوروبي خاصة بعد توقيع الاتحاد على التزامات أمنية مشتركة لدعم أوكرانيا على المدي الطويل، كما وافقت مجموعة السبع الصناعية على إقراض أوكرانيا أكثر من 50 مليار دولار من الأصول الروسية المجمدة.

وقد تذهب الدول الأعضاء في الحلف إلى أكثر من ذلك بالموافقة على فكرة ستولتنبرغ بإعلان الالتزام بتقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا لمدة خمس سنوات بقيمة 100 مليار دولار أو الاكتفاء بمستويات دعم تصل إلى 40 مليار دولار سنوياً، بما يجعل المساعدات لأوكرانيا أكثر استقراراً تمهيداً لوضعها على الطريق لتصبح شريكاً قادر عسكرياً للانضمام بسلاسة إلى الناتو مثل فنلندا والسويد.

وقد صرح ستولتنبرغ في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية أنه يأمل في انضمام أوكرانيا لحلف الناتو خلال العشر سنوات المقبلة، لكن لا يوجد حتى الآن جدول زمني لهذا الانضمام ولم يوجّه الحلف دعوة رسمية لأوكرانيا.

وعلى مسار ضمان أمن أوكرانيا، وقّعت جميع دول مجموعة السبع اتفاقات أمنية ثنائية مع أوكرانيا ومنها اتفاقية مدتها عشر سنوات مع الولايات المتحدة وأخرى مع اليابان. وقام الرئيس الأوكراني بتوقيع اتفاقات أمنية مع ما يصل إلى 20 دولة من الأعضاء بالناتو، وهناك احتمالات لإبرام اتفاق مماثل مع كوريا الجنوبية في أعقاب الاتفاق بين روسيا وكوريا الشمالية وزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى بيونغ يانغ.

وأكد ستولتنبرغ للصحافيين أنه يتوقع من القمة الموافقة على أن يتولى حلف شمال الأطلسي زمام المبادرة في تنسيق المساعدات الأمنية والتدريب لأوكرانيا، إضافة إلى مناقشات حول إرسال مبعوث لحلف الناتو إلى كييف لتحسين مستويات التنسيق والتواصل.

الصين

أشار جيم أوبراين مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأوروبية أن الشراكات في منطقة المحيطين الهادئ والهندي ستكون من بين الموضوعات الرئيسية للقمة. وتمر 40 في المائة من التجارة الأوروبية عبر بحر الصين الجنوبي، وهناك مخاوف من التعاون العسكري الروسي المتزايد مع كوريا الشمالية والصين. وتشارك في القمة أربع دول شركاء للحلف هي أستراليا واليابان ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية.

وتثير اليابان مخاوف من طموحات الصين، حيث يؤكد رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا أن ما يحدث في أوكرانيا اليوم ربما يحدث في شرق آسيا غداً.

وتسعى الولايات المتحدة إلى ضم أوروبا إلى حملتها لمواجهة صعود الصين مثلما فعلت في حشد الحلفاء ضد الغزو الروسي لأوكرانيا. ولا يقتصر الأمر على الخلافات العسكرية والسياسية حول طموحات الصين بالمنطقة والعدوان ضد تايوان وعلاقاتها بروسيا وكوريا الشمالية، بل تمتد الخلافات إلى مجالات التجارة والتكنولوجيا.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى