التحول في المشهد السوري

كتب د. حمد الجدعي في صحيفة الراي.
زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع، إلى واشنطن لم تكن حدثاً بروتوكولياً عابراً، الحفاوة غير المسبوقة، الاستقبال الرسمي في البيت الأبيض، ثم إعلان إلغاء قانون قيصر، كلها مؤشرات على تحول عميق في السياسة الأميركية تجاه سوريا.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه، ما الذي تريده واشنطن حقاً من سوريا، وأين ذهبت قيم الديمقراطية التي كانت أساس بناء العلاقات الدولية لدى الولايات المتحدة ؟
من الواضح أن إدارة ترامب تخلت بشكل نهائي عن شعارات تصدير الديمقراطية، فواشنطن اليوم تتعامل مع الملفات الإقليمية بمنطق الصفقة السياسية لا المبادئ الديمقراطية، الرئيس ترامب لا يخفي ذلك، بل يراه جزءاً من الواقعية الأميركية الجديدة، حيث تقاس العلاقات بحجم المنفعة لا بمبدأ الالتزام بالقيم.
وفي هذا السياق، يظهر الرئيس السوري أحمد الشرع، كشريك براغماتي وجوده ضروري لضبط فراغ القوة في سوريا بعد سقوط نظام الأسد وانسحاب النفوذ الإيراني وتراجع النفوذ الروسي من المشهد، وذلك وفق الرؤية الأميركية الجديدة.
مشهد استقبال الرئيس الشرع، في البيت الأبيض وإلغاء قانون قيصر كان واضحاً أنه انعكاس لرغبات أميركية قبل أن تكون سورية، فالقانون الذي خنق الاقتصاد السوري طوال سنوات، كان ورقة ضغط، والآن أصبح ورقة توازن، كما أنه من الواضح أن الإدارة الأميركية الحالية شهيتها مفتوحة للاستثمارات في سوريا وبناء مؤسسات الدولة بطريقة تضمن نفوذها الأمني والاقتصادي.
بمعنى آخر، أميركا لم تلغ قانون قيصر ولن تمول إعادة الإعمار من أجل إعمار سوريا، بل من أجل إعمار نفوذها في سوريا.
باختصار، التحول المذهل في المشهد السوري لم يكن تغيراً في الأشخاص بل هو تغير في المعادلة كلها، ففي الشرق الأوسط الجديد الذي تسعى له واشنطن، لم يعد معيار الشرعية هو التاريخ أو الانتخابات، بل القدرة على خدمة التوازن في المنطقة وفقاً للمعايير الأميركية، والحفاوة الأميركية الكبيرة بالرئيس السوري أحمد الشرع، في البيت الأبيض ليست قصة صداقة، بل صفقة بحسابات دقيقة.
وهذه الحسابات ليست سرية، أميركا تكسب سوريا من دون حرب جديدة، الرئيس السوري يكسب الشرعية الدولية والاقتصادية، إيران وروسيا تخسران أكبر مراكزهما في الشرق الأوسط.
أما القيم أو كما يراها البعض وهم الديمقراطية الأميركية فوضعت على الرف للعودة لها في وقت لاحق «وقت الحاجة».




