التحالف السعودي – المصري: إستراتيجية ردع في وجه التعنت الإسرائيلي

كتب د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب, في العرب:
شروط إسرائيل تعقّد هدنة غزة وتضع الوسطاء في اختبار صعب، لذلك لن تقف السعودية ومصر مكتوفتي الأيدي تجاه ما يحدث ولن تتركا إسرائيل تحقق ما تريد من تصفية القضية في غزة.
ظلت إسرائيل تتابع المشهد العربي، وبشكل خاص العلاقات بين السعودية ومصر، مؤكدة أن هناك ملفات متعددة، تنظر إليها كل دولة برؤية خاصة بها. لكن العلاقات بين الجانبين إستراتيجية لا يمكن لأحد المساس بها، خصوصًا في مواجهة التحديات المشتركة التي تستهدف الأمن العربي. وهي ملفات كثيرة تتعلق بأمن البحر الأحمر وغزة ولبنان وسوريا واليمن، وهي بحاجة إلى التعاطي معها بجهود مشتركة.
لذلك فوجئت إسرائيل وعدد من المتربصين باجتماع الزعيمين في نيوم: الرئيس عبدالفتاح السيسي والأمير محمد بن سلمان، الذي كان في استقباله في المطار. وقد أثبتا للعالم أن العلاقات السعودية – المصرية لا تتزعزع. وتأتي هذه الزيارة في إطار العلاقات التاريخية الراسخة التي تجمع البلدين، وهما العمود الفقري للتضامن العربي. وتؤكد ذلك زيارات الأمير محمد بن سلمان الثماني إلى مصر منذ الزيارة الأولى في أبريل 2015، وزيارات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الإحدى عشرة إلى السعودية، ما يعكس حرص القيادتين على تطوير العمل المشترك وفتح آفاق الشراكة والتعاون في مختلف المجالات، خصوصًا في أوقات الشدة، تجسيدًا لحرصهما على أهمية استقرار دول المنطقة، والحفاظ على وحدة أراضيها وسلامة مؤسساتها الوطنية، وضمانًا للأمن والاستقرار، ومواجهة التحديات الجسيمة التي تهدد أمن المنطقة، لاسيما في ظل المحاولات لفرض متغيرات عليها، وعلى القضية الفلسطينية على وجه التحديد.
ترفض إسرائيل إقامة الدولة الفلسطينية التي حشدت لها السعودية دعمًا عالميًا. بل هناك إجماع دولي غير مسبوق على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ولأول مرة منذ حرب 1948، هناك شراكة أوروبية – عربية في المطالبة بإقامة هذه الدولة. وقد قادت السعودية وفرنسا جهودًا لتحشيد العالم من أجل تحقيق هذه الرؤية. في المقابل تسعى إسرائيل إلى أن تكون شريكًا اقتصاديًا مع الهند عبر السعودية ودول الخليج، بالشراكة مع الولايات المتحدة، لمنافسة الصين. لكنها تصطدم بالسعودية التي ترفض أي شراكة مع إسرائيل إلا بعد إقامة الدولة الفلسطينية، فبدأت إسرائيل تتعنت في غزة، وتتحرك في الساحتين السورية واللبنانية، وفي البحر الأحمر.
◄ بعد تصريح نتنياهو بقوله “نقترب من نهاية حرب الجبهات السبع،” تواجه إسرائيل معضلة شديدة تتعلق باحتلال غزة؛ حيث سيشارك في العملية، في ذروتها، 130 ألف جندي احتياط وخمس فرق نظامية
وليس هذا فحسب، بل تتعمد القوات الإسرائيلية تدمير أكبر قدر ممكن من المناطق في غزة، وتهدد بفتح أبواب الجحيم في المدينة. ويصرّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على إجراء مفاوضات تحت النار، ويتمسك بإطلاق الرهائن، فيما تعقّد شروط إسرائيل هدنة غزة وتضع الوسطاء في اختبار صعب. لذلك لن تقف السعودية ومصر مكتوفتي الأيدي تجاه ما يحدث، ولن تتركا إسرائيل تحقق ما تريد من تصفية القضية في غزة.
سبق للسعودية في عام 1995، عندما كانت البوسنة محاصرة، أن قدمت دعمها بالسلاح حتى وافق الصرب على توقيع اتفاق وفك الحصار. وهناك سبل متعددة في غزة إذا واصلت إسرائيل محاولاتها لتصفية القضية، مدعومة بسياسات مؤيدة لها داخل وزارة الخارجية الأميركية، ومنها إقالة شاهد قريشي إثر خلاف حول كيفية توصيف سياسات إدارة الرئيس دونالد ترامب بشأن خطط إسرائيل لترحيل الفلسطينيين من غزة، فيما يعده البعض تطهيرًا عرقيًا.
وكشفت صحيفة “واشنطن بوست” عن إقالة قريشي بسبب بيان كتبه، تضمن جملة “نحن لا ندعم التهجير القسري للفلسطينيين في غزة،” مستندًا إلى تصريحات سابقة للرئيس ترامب والمبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، اللذين قالا في فبراير 2025 إن الولايات المتحدة لا تسعى إلى خطة إخلاء لغزة. لكن مسؤولين كبارًا في وزارة الخارجية رفضوا استخدام هذه الجملة.
بعد تصريح نتنياهو بقوله “نقترب من نهاية حرب الجبهات السبع،” تواجه إسرائيل معضلة شديدة تتعلق باحتلال غزة؛ حيث سيشارك في العملية، في ذروتها، نحو 130 ألف جندي احتياط وخمس فرق نظامية. وفي الوقت ذاته اعتبرت 21 دولة في بيان مشترك أن خطة الاستيطان في الضفة الغربية تمثل انتهاكًا للقانون الدولي.
للمرة الأولى تنكر إسرائيل حدوث مجاعة في غزة، رغم إعلان أممي رسمي يؤكد انتشارها، في محاولة للضغط لمنع دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع. ورأت السعودية أن ذلك سيظل وصمة عار في جبين المجتمع الدولي، وفي مقدمته الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، ما لم تسارع إلى التدخل الفوري لإنهاء المجاعة.
ووصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في بيان له، المجاعة في غزة بأنها “كارثة من صنع الإنسان، ووصمة عار أخلاقية، وإخفاق للإنسانية نفسها،” داعيًا إلى وقف فوري لإطلاق النار، والإفراج عن جميع الرهائن، والسماح بدخول المساعدات دون أي عوائق.