“قنبلة من العيار الثقيل”.. هل يفعلها الناتو؟
ان تصريح ماكرون بإمكانية إرسال قوات من حلف “الناتو” إلى أوكرانيا قيد النظر (على الرغم من عدم التوصل إلى توافق في الآراء بهذا الصدد) بدا وكأنه قنبلة من العيار الثقيل.
حتى الآن، يمكن تلخيص الفكرة الرئيسية لجميع الدول الغربية فيما يتعلق بإمكانية المشاركة المباشرة لجيوشها في الحرب بأوكرانيا بكلمة واحدة: مستحيل.
وقد صرح جميع زعماء الدول الغربية الرائدة بأن جيوش “الناتو” لن تقاتل روسيا أبدا في أوكرانيا، وأنه يجب تجنب التهديد بالاشتباك المباشر بين الحلف وروسيا بأي شكل من الأشكال.
وتم الاستشهاد بمنع الصراع المباشر باعتباره الدافع الرئيسي للتأخير أو الرفض الصريح لتوريد مختلف الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا.
وهذا لا يحدث بسبب أن الدول الرائدة في “الناتو” يرأسها جواسيس روس، ولكن بسبب واضح للغاية، أن روسيا هي صاحبة أكبر ترسانة نووية في العالم، بالتالي فإن الصدام المباشر معها من قبل الحلف يخلق تهديدا كبيرا للغاية بالسلاح النووي، وحرب الدمار المتبادل.
علاوة على ذلك، توضح موسكو باستمرار، وعلى مستويات مختلفة، أنه في حالة نشوب حرب مع “الناتو”، وبسبب التفاوت المطلق بين إمكانات الحلف وروسيا في الأسلحة التقليدية، ستستخدم روسيا الأسلحة النووية على الفور (وهو ما ذكره دميتري مدفيديف مباشرة منذ وقت ليس ببعيد على سبيل المثال).
وقد تم تقديم تلميحات مماثلة في حالة دخول الحرب ليس مع الحلف بأكمله، ولكن مع بعض أعضائه. كما أوضحت موسكو أن هذا الخيار سيعتبر بمثابة إعلان حرب مع كل ما يترتب على ذلك من عواقب.
ولهذا السبب تم وقف أي تلميحات حول مشاركة قوات “الناتو” في الحرب بأوكرانيا على المستوى الرسمي في السابق.
والتصريحات التي صدرت بالأمس (عن الرئيس ماكرون) بشأن إمكانية إرسال جيوش دول التحالف إلى أوكرانيا بدت وكأنها صاعقة من السماء. لا سيما بالنظر إلى أن المستشار الألماني أولاف شولتس قال منذ يومين إن ألمانيا لن تمنح القوات المسلحة الأوكرانية صواريخ “تاوروس”، حتى لا تستفز تصعيدا في العلاقات مع روسيا، وبعدها مباشرة يعلن ماكرون مناقشة إرسال قوات من دول الحلف إلى أوكرانيا، ما يعني أقصى درجة ممكنة من التصعيد.
فما الذي تعنيه هذه التصريحات في الواقع؟
هناك على الأقل تفسيران محتملان لذلك:
الأول، أن الوضع على الجبهة بالنسبة للجيش الأوكراني صعب للغاية (بما في ذلك من حيث الأفراد) لدرجة أنه بدون الدعم المباشر من قوات “الناتو” لن يتمكنوا من الحفاظ على الدفاع عن القوات المسلحة الأوكرانية. لذلك فإن الحلف والدول الأوروبية يناقشون اتخاذ إجراءات متطرفة تتمثل في إرسال جيوشهم إلى أوكرانيا. وفي هذه الحالة، يبدو بيان ماكرون وكأنه محاولة لاستكشاف رد فعل كل من الرأي العام الأوروبي وروسيا على مثل هذا الاحتمال، وبناء عليه اتخاذ قرار نهائي بشأن إرسال قوات من عدمه.
الثاني، أن تصريح ماكرون هو خدعة ومن باب العلاقات العامة. من ناحية، من أجل الحفاظ على الروح المعنوية في أوكرانيا، وإظهار الاستعداد لاتخاذ خطوات أكثر حسما. ومن ناحية أخرى، لتشجيع الرأي العام الأوروبي على الموافقة على ضرورة زيادة الإنفاق العسكري والمساعدة ودعم أوكرانيا بحجة “وإلا فسنضطر إلى القتال مع روسيا بأنفسنا” (منذ وقت ليس ببعيد، استخدم بايدن حجة مماثلة لإقناعه الكونغرس برفع الحظر عن المساعدات لأوكرانيا).
لكن رد فعل الرأي العام الأوروبي قد يكون عكس ذلك، فمن المحتمل أن يؤدي احتمال الصدام المباشر مع روسيا، مع التهديد بنشوب صراع نووي إلى زيادة عدد المؤيدين في الغرب لإنهاء الحرب مبكرا.
المصدر: سترانا