اقتصاد ومال

التجارة العالمية في مهب النزاع الأميركي الصيني

عقب القرارات الأخيرة للرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن فرض رسوم جمركية على عشرات الدول، وتصعيد الصين وعدد من الدول الأخرى رداً على هذه الإجراءات، استطلعت «الشرق الأوسط» آراء عدد من المختصين حول التداعيات السلبية المحتملة، وما إذا كانت تلك التطورات تنذر بركود اقتصادي عالمي في المرحلة المقبلة، وما إذا كانت تفتح الباب أمام تشكيل تحالفات تجارية جديدة لمواجهة التحديات المستقبلية والقرارات الأحادية التي قد تُلحق ضرراً باقتصادات الدول وبالاقتصاد العالمي ككل.

وأعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن تعليق فوري للرسوم الجمركية لمدة 90 يوماً على عدد من الشركاء التجاريين، باستثناء الصين، حيث قرر الإبقاء على جزء من الرسوم المفروضة، مع تقليصها إلى نسبة 10 في المائة فقط، وذلك لإتاحة المجال أمام مزيد من المفاوضات.

ويرى مختصون أن تطبيق حرب الرسوم الجمركية بشكل كامل قد يُلحق بالأسواق خسائر تُقدَّر بتريليونات الدولارات، ويقوّض الثقة في الاقتصادات الكبرى، فضلاً عن تأثيره السلبي على سوق السندات وإضعاف قيمة الدولار الأميركي. كما يُرجَّح أن تُسهم هذه السياسات في تسريع تشكيل تحالفات تجارية جديدة لمواجهة التداعيات المحتملة.

وأكد المختصون في تصريحهم إلى «الشرق الأوسط» أن جميع الدول ستتأثر سلباً بالحرب التجارية، نظراً لأن الولايات المتحدة والصين تمثلان اثنين من أكبر الاقتصادات في العالم، وأي مواجهة اقتصادية بينهما ستُفضي إلى تداعيات واسعة النطاق تطول الاقتصاد العالمي بأسره.

الرسوم الانتقامية

وقال عضو مجلس الشورى السعودي فضل البوعينين لـ«الشرق الأوسط»، إن الولايات المتحدة هي من أطلقت الرصاصة الأولى في هذه الحرب التجارية، وهي الجهة الوحيدة القادرة على وضع حد لها. وأوضح أن نحو 185 دولة تتضرر من هذه الرسوم، رغم أن الصين تُعد الهدف الرئيسي لها، وهو ما يؤكده قرار تعليق الرسوم الجمركية الذي استثنى الصين من التخفيف المؤقت. وأضاف أن قرار التعليق قد يُتبع بإجراءات أخرى من شأنها أن تسهم في احتواء التصعيد والحد من تداعيات الحرب التجارية الراهنة.

وأوضح البوعينين أن تصاعد الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، من خلال تبادل الرسوم الجمركية والإجراءات الانتقامية، يمثل سابقة غير مسبوقة في تاريخ الاقتصاد العالمي، وهو ما يفسر التداعيات القوية التي طالت الأسواق المالية، وتسببت بخسائر تُقدّر بتريليونات الدولارات، كما زعزعت الثقة في الاقتصادات الكبرى وأضعفت مكانة الدولار الأميركي كملاذ آمن. وقد انعكس ذلك بوضوح على سوق السندات، لا سيما السندات الأميركية التي شهدت موجة تسييل غير مسبوقة خلال فترة زمنية قصيرة. وأضاف أن هذه التطورات فتحت الباب واسعاً أمام تشكيل تحالفات تجارية جديدة لمواجهة التحديات المستقبلية والتصدي للقرارات الأحادية التي تضر باقتصادات الدول والاقتصاد العالمي ككل.

واستطرد قائلاً: «من المؤكد أن جميع الدول، سواء كانت متقدمة أو نامية، ستتأثر بالحرب التجارية والرسوم الجمركية الأميركية. ولن يقتصر التأثير على الجوانب الاقتصادية والمالية فحسب، بل سيمتد إلى الجوانب السياسية، وقد يتطور إلى نزاعات عالمية في المستقبل. فالاقتصادان الصيني والأميركي يمثلان أكبر اقتصادات العالم، وأي مواجهة بينهما ستنجم عنها تداعيات اقتصادية تؤثر على الجميع دون استثناء. من بين هذه التداعيات: الركود التضخمي، وتباطؤ عجلة الإنتاج، وتراجع النمو العالمي، وانقطاع سلاسل الإمداد، وتعثر تدفق الاستثمارات، وانخفاض الأصول الاستثمارية، ودخول العالم في أزمة ثقة تجارية واستثمارية يصعب الخروج منها بسهولة».

حرب العملات

وواصل عضو مجلس الشورى قائلاً: «هناك تحدٍّ آخر مرتبط بحرب العملات وتسييل السندات الأميركية، حيث يمكن استغلالها كأداة من أدوات المواجهة مع أميركا. فالصين تستثمر نحو 761 مليار دولار في السندات الأميركية، وتسييل هذه السندات سيؤدي إلى أزمة مالية عالمية، لا تقتصر على واشنطن وحدها، بل ستطول العالم بأسره. وأوضح أن حرب العملات ستؤثر على جميع الدول، وستحدث خللاً كبيراً في النظام النقدي العالمي، مما يزيد من تعقيد الأوضاع الاقتصادية والمالية على المستوى العالمي».

وأردف البوعينين قائلاً: «لا خلاف على أن أميركا قد تضررت من اتساع العجز التجاري مع الصين ودول العالم، حيث بلغ العجز مستويات قياسية تصل إلى 1.2 تريليون دولار. ومن واجب الرئيس الأميركي معالجة هذا الخلل، ولكن يجب أن تكون الوسائل المستخدمة منطقية وتعتمد على مباحثات بينية تؤدي إلى حل المشكلة بشكل فعّال، بدلاً من خلق مزيد من التداعيات الاقتصادية والمالية. أعتقد أن ترمب بدأ في العودة إلى المنطق بعد تداعيات مدمرة للأسواق المالية، ولا سيما الأسواق الأميركية، ومواجهته لانتقادات حادة من الداخل».

وأضاف أن الصين والاتحاد الأوروبي ودولاً أخرى أدركت قدرة ترمب على تنفيذ تهديداته، وأن قراراته أحدثت تداعيات مدمرة على الاقتصاد العالمي. وهذا من شأنه أن يدفع جميع الأطراف للتفاوض من أجل إيجاد صيغة مناسبة بشأن الرسوم الجمركية، والعمل على معالجة العجز الأميركي بشكل فعّال.

إنقاذ الاقتصاد العالمي

وبيّن أن رسوم ترمب الجمركية تشبه «القنبلة الذرية» التي أوقفت الحرب العالمية، حيث قد تكون تداعياتها الكبرى هي السبب في عودة الجميع إلى طاولة المفاوضات، وذلك من أجل إنقاذ الاقتصاد العالمي، بالإضافة إلى الاقتصادين الأميركي والصيني اللذين دخلا مرحلة «كسر العظم» التي ستنتهي بتضرر الجميع. وأكد أنه إذا لم يتم اتخاذ خطوات عقلانية لمعالجة أزمة الرسوم، فإن الأضرار المستقبلية ستكون فادحة ومدمرة للجميع.

وتابع عضو مجلس الشورى بأن الصين أعلنت عن نيتها اتخاذ إجراءات مضادة، مما يعني أن حرب الرسوم التجارية مع أميركا ستستمر، وهو ما سينعكس سلباً على التجارة العالمية وعلى جميع الدول. وأضاف أن ذلك سيتسبب في تضخم الأسعار، بدءاً من السوق الأميركية، حيث سيتضرر المستهلكون بشكل كبير. وأوضح أن هذه الأضرار هي من بين الأسباب التي أدت إلى خروج مظاهرات ضد ترمب، بالإضافة إلى ظهور انتقادات مباشرة من بعض أعضاء فريقه، ومن بينهم إيلون ماسك.

ووفقاً للبوعينين، فإن المستهلكين يشكلون الحلقة الأضعف والأكثر تضرراً من حرب الرسوم. كما أن اقتصادات العالم ستكون تحت ضغط هائل بسبب حرب الرسوم، ما سيؤدي إلى تداعيات كبيرة يصعب حصرها. وأوضح أنه رغم محدودية الأضرار المباشرة للاقتصادات الخليجية جراء الرسوم الجمركية، فإن الأضرار غير المباشرة ستكون أكثر عمقاً وتأثيراً. ومن أبرز هذه التأثيرات انخفاض أسعار النفط، وهو ما سينعكس سلباً على الملاءة المالية ويزيد من العجوزات في ميزانيات دول الخليج.

ترقب المستثمرين

من جهته، أشار المختص في الشأن الاقتصادي أحمد الجبير لـ«الشرق الأوسط» إلى أن القرارات الأميركية المتعلقة بالرسوم الجمركية ستؤدي إلى تشكيل تحالفات تجارية جديدة، مبيناً أن تأثيراتها باتت واضحة على الأسواق العالمية.

وبحسب الجبير، فإن التصعيد الأميركي الصيني في الحرب التجارية، والذي قد يهز أسواق العالم، بلغ ذروته بعد أن تجاوز إجمالي الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب على الصين 125 في المائة، فيما قامت بكين برفع رسومها إلى 84 في المائة. وتعد هذه القرارات مؤثرة بشكل كبير في المشهد الاقتصادي العالمي، ما قد يؤدي إلى تشكيل تحالفات تجارية جديدة.

وأضاف أن الأسواق العالمية تنفست الصعداء بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب تعليق الرسوم، مشيراً إلى أن المستثمرين الآن يترقبون التطورات الاقتصادية والتصاعد المستمر للتهديدات بين واشنطن وبكين.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى