نشرت صحيفة “التايمز” مقالا كتبه ريتشارد سبنسر، مراسل شؤون الشرق الأوسط، بعنوان “من داعية للحرب إلى وسيط للسلام، الإمارات تقود جبهة سلام جديدة في الشرق الأوسط”.
ويستهل الكاتب مقاله بالحديث عن الإمارات، التي وصفها بالطموحة بقدر ما هي صغيرة، ومحاولاتها لإظهار براعتها العسكرية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ويقول سبنسر إن “الأهداف الأساسية للإمارات كانت تتمثل في مقاومتها الشديدة لتيار الإسلام السياسي، سواء النسخة التي كان يمارسها الإخوان المسلمون في مصر وغيرها، أو نسخة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وشبكتها الإقليمية من الميليشيات”.
ويضيف الكاتب أن الإمارات تدخلت في حروب في اليمن وليبيا، وأنشأت قواعد عسكرية في القرن الأفريقي، رغبة منها في إثبات الوجود، لاسيما في واشنطن، مشيرا إلى أنها قبل أشهر فقط، كانت تتعامل مع خصوم إقليميين مثل تركيا وقطر كدول معادية، لكنها الآن تبني جسورا معها.
ويصفها سبنسر بأنها أصبحت الصوت الرائد للسلام الجديد في منطقة الخليج، بل راحت تحث الولايات المتحدة وإسرائيل، عدو الماضي وصديق اليوم، على التراجع عن التهديد بتوجيه ضربة لطهران ومنشآتها النووية.
ولم يشر بيان صدر بعد أن اختتم بينيت أول زيارة لرئيس وزراء إسرائيلي إلى الإمارات هذا الأسبوع إلى أي حديث عن إيران، على الرغم من إجراء محادثات، استمرت أربع ساعات، مع الشيخ محمد بن زايد، القائد الفعلي للإمارات وولي عهد أبو ظبي.
وعلى الرغم من ذلك أوضحت الإمارات أن الرد على الضربات هو “لا”، وقالت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية إن الشيخ محمد دافع عن “الاستقرار الإقليمي”، في إشارة إلى الاعتراض على مزيد من الأعمال العسكرية في منطقة الشرق الأوسط.
كما زار الشيخ طحنون بن زايد، مستشار الأمن القومي للإمارات، طهران وأجرى محادثات مع الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، ومسؤولين محليين قبل أسبوعين، وقال وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان: “نحن على وشك فتح صفحة جديدة في علاقاتنا مع الإمارات”.
ويقول سبنسر إنه قبل تسريب “ويكيليكس” للبرقيات الدبلوماسية عام 2010، لم يكن معروفا سوى القليل عن النفوذ السياسي للإمارات، وأظهرت البرقيات الصوت الواضح للشيخ محمد مع واشنطن، في وقت كانت تفقد فيه السعودية، التي يحكمها ملوك مسنون، نفوذها.
وأخبر الشيخ محمد الرئيس الأمريكي آنذاك، باراك أوباما، ومسؤوليه عبارات لا لبس فيها أنه يتوقع تحركا سريعا وصارما ضد إيران، وقال لتيموثي غيتنر، وزير الخزانة الأمريكي، إن إيران الداعمة للسلاح النووي “لا يمكن الدفاع عنها على الإطلاق”، وفقا لبرقية عام 2009.
ويقول الكاتب إنه بعد تولي الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، السلطة اعتُبر بارقة أمل كبيرة لتشديد الموقف الأمريكي في الشرق الأوسط، لاسيما بعد أن انسحب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران، وفضّل ملوكا في المنطقة، مثل الشيخ محمد، وقادة عسكريين مثل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، كما أرسل حاملات طائرات إلى الخليج في إشارة إلى الدعم الدائم.
لكن عندما بدأت إيران مهاجمة سفن الشحن الغربية في الخليج كرد فعل على فرض عقوبات عليها من جديد، فشل ترامب في اتخاذ أي إجراء، وفي مرحلة من المراحل بدا وكأنه أجهض ضربة مهددة كانت على وشك الحدوث.
ويقول سبنسر إنه في تلك المرحلة قرر الشيخ محمد تحمل مسؤولية ملف إيران بنفسه، بدلا من واشنطن، وفي ظل عدم الرغبة في رؤية ترسانة الصواريخ الإيرانية تنقلب على أبو ظبي ودبي، فإن رحلة قصيرة عبر الخليج قد تعني الوصول إلى نوع من التفاهم، على الأقل اتفاقية تقضي بعدم الاعتداء.
وكانت أول علامة على ذلك هي قرار الإمارات بسحب قواتها من اليمن، التي انضمت للسعودية للدفاع عن الحكومة المعترف بها دوليا ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، وهي حرب بدا أن الجانب الإماراتي يخسرها.
كما وجدت الإمارات نفسها، خلال الاثني عشر شهرا الماضية، داعمة لمحادثات سلام، والتقارب مع تركيا أيضا، ويقول عبد الخالق عبد الله، المحلل الإماراتي البارز: “ما يحدث مع الإمارات هو إعادة تقييم لنتائج الصراع مع العديد من القوى المؤثرة”.
وكانت آخر ثمار هذا التحول زيارة وزير خارجية تركيا، مولود تشاووش أوغلو، للإمارات، التي اتهمتها تركيا في السابق برعاية محاولة الانقلاب عام 2016 ضد الرئيس رجب طيب أردوغان.
أردوغان وبن زايد: هل تنقذ “مليارات الإمارات” أنقرة من أزمتها الاقتصادية؟” – صحف عربية
والآن، مع انهيار اقتصادها، تأمل تركيا في الاستثمار عن طريق صناديق الثروة السيادية الخليجية، وهو شكل من أشكال العلاقة التي قد تشعر فيه الإمارات الآن بنوع من الانسجام مع نقاط قوتها التقليدية.
ويقول عبد الله: “حان وقت الانطلاق من جديد ورأب الصدع مع بعض خصوم الأمس. وإيران في المقام الأول”.