البنك المركزي الأوروبي يواجه خيارات صعبة بشأن أسعار الفائدة
قفز التضخم في منطقة اليورو إلى مستوى قياسي جديد، ومن المُتوقَّع أن يصل قريباً إلى خانة العشرات، مما يشي بسلسلة من الزيادات الكبيرة في أسعار الفائدة حتى في الوقت الذي بات فيه الوقوع في براثن ركود مؤلم أمراً مؤكداً على نحو متزايد.
وقفزت أسعار المستهلكين أكثر مما كان متوقعا في أغسطس/آب مدفوعة بارتفاع أسعار الغاز، فضلاً عن تأثيرات جفاف مدمر، وهناك ارتفاعات أخرى متوقعة، مما يزيد من معاناة الأسر والشركات، لأن التضخم ببساطة يلتهم احتياطياتها النقدية.
وهذا التزامن بين الأسعار المرتفعة والنمو المنخفض، والذي يشار إليه غالبا بالركود التضخمي، لا يترك للبنك المركزي الأوروبي سوى خيارات مؤلمة من شأنها أن تزيد من معاناة سكان منطقة اليورو البالغ عددهم 340 مليون نسمة. ومما يزيد من صعوبة الموقف بالنسبة للبنك أن إجراءات التحفيز وتيسير السياسة النقدية التي قد يتخذها لن تؤدي إلا إلى زيادة التضخم وإلحاق الضرر في نهاية المطاف بمصداقيته، مما يهدد أسس تفويضه في مكافحة التضخم.
لكن تشديد السياسة النقدية (رفع الفائدة) سيبطئ النمو أكثر، مما يفضي إلى زيادة شبه مؤكدة في وتيرة التراجع الاقتصادي من بداية موسم التدفئة في أكتوبر/تشرين الأول.
وفي نهاية المطاف، سيختار صانعو السياسة في المركزي الأوروبي مكافحة التضخم ليرفعوا على الأرجح، وفي مسعى لكبح جماحه، أسعار الفائدة في كل اجتماع متبق هذا العام، مما يرفع تكاليف الاقتراض للحكومات والشركات والأسر، حتى في ظل شُحّ الموارد المالية بالفعل.
ويرى المحللون أن أرقام التضخم المرتفعة اليوم ستقوي الحجة من أجل رفع البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة بدرجة كبيرة للغاية بواقع 75 نقطة أساس (ثلاثة أرباع نقطة مئوية) الأسبوع المقبل، وسيتعين على أصحاب نهج التيسير النقدي (خفض الفائدة أو إبقائها عند مستواها الحالي) أن يخوضوا معركة شاقة لخفض الرفع المتوقع إلى 50 نقطة أساس، وهي وتيرة لا تزال كبيرة.
يذكر أن معدل التضخم في 19 دولة تشترك في العملة الأوروبية الموحدة (دول اليورو) وصل إلى 9.1 في المئة في أغسطس/آب ارتفاعاً من 8.9 في المئة في الشهر السابق عليه وتجاوز التوقعات مرة أخرى مع زيادة ضغوط الأسعار.
وقال كريستوف ويل، الخبير الاقتصادي في «كومرتس بنك» الألماني «من المرجح أن يقفز معدل التضخم في سبتمبر… وبالتالي، فإن الضغط على البنك المركزي الأوروبي لمواصلة رفع أسعار الفائدة بدرجة كبيرة من المرجح أن يظل مرتفعاً».
وفي حين أن الارتفاع في أسعار المواد الغذائية والطاقة لم يكن مفاجئاً، فإن القفزة في تكاليف الخدمات والتضخم البالغ خمسة في المئة في أسعار السلع الصناعية غير المرتبطة بالطاقة من الواضح أنها ستقلق صانعي السياسة في المركزي الأوروبي.
وسيثير قلقهم أيضاً الارتفاع المستمر في الأسعار في قطاعات أخرى ذات صلة، مما يشير إلى أن التكاليف المرتفعة تمتد الآن إلى الاقتصاد بأكمله، من خلال ما يسمى بتأثيرات «الجولة الثانية».
وباستثناء الغذاء والوقود، تسارع التضخم إلى 5.5 في المئة من 5.1 في المئة، بينما ارتفع مقياس أضيق يستثني أيضاً الكحول والتبغ إلى 4.3 في المئة من أربعة في المئة.
وقالت مجموعة الخدمات المالية «نورديا في مذكرة «نتوقع الآن أن يرفع البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة 75 نقطة أساس الأسبوع المقبل». كما توقع بنك «غولدمان ساكس» الاستثماري الأمريكي أن يرفع البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس في اجتماعه المقبل. وقال في مذكرة للعملاء أمس «بالنظر إلى بيانات التضخم الأقوى من المتوقع التي صدرت الأربعاء – بالإضافة إلى التعليقات المتشددة وارتفاع المخاطر على النمو في الأجل القصير- نحن الآن نتوقع أن يرفع المجلس التنفيذي للبنك أسعار الفائدة 75 نقطة أساس في اجتماع سبتمبر (أيلول).»
وفي ظل ما سبق، فإن تجنب الانكماش أمر يزداد صعوبة فيما يبدو مع انخفاض المعنويات الاقتصادية أكثر من المتوقع هذا الشهر، مما يسلط الضوء على مخاوف النمو.
وستجبر تكاليف الطاقة المرتفعة الأسر على توجيه إنفاقها نحو فاتورة التدفئة، مما يترك موارد أقل لأوجه الإنفاق الأخرى، وخاصة الخدمات.
كما ستتأثر الصناعة بشدة، إذ من المحتمل أن تقلص القطاعات كثيفة الاستهلاك للطاقة الإنتاج. وسيؤدي ذلك لاحقا إلى شُحّ المعروض، مما يزيد من التضخم.
وقال ريكاردو مارسيلي فابياني، من «أوكسفورد إيكونوميكس» الاستشارية في لندن «ارتفاع التضخم سيزيد من الضغط على الطلب، مما يؤدي إلى انخفاض النمو ودفع منطقة اليورو إلى الركود هذا الشتاء».
ويمكن أن يساعد وضع حد أقصى لأسعار الطاقة، مثلما يفكر الاتحاد الأوروبي، البنك المركزي الأوروبي في مهمته، لكن التضخم مرتفع بشدة بالفعل وهو كذلك منذ فترة، لذلك لن يتمتع صانعو السياسة برفاهية تجنب العاصفة.
المصدر: رويترز