كتب علي حماده في سكاي نيوز عربية.
قبل عام كانت منطقة البحر الأحمر والدول المطلة عليها هادئة نسبيا، لكن بنهاية 2023 يبدو أن البحر الأحمر دخل مرحلة تقلبات، إن لم نقل أزمات سياسية وأمنية.
في مطلع 2023 دخلت حرب اليمن مرحلة هدن معلنة وغير معلنة، وانطلق التفاوض السياسي بين الحوثيين والمملكة العربية السعودية، وشهد تقدما لافتا بعد اتفاق بكين بين الرياض وطهران في 10 مارس الماضي.
وفي 9 أبريل الماضي تمت زيارة للسفير السعودي لدى اليمن إلى صنعاء، حيث قابل قياديين من الحوثيين في سياق التحضير لإطلاق مسار المفاوضات السياسية لطي صفحة الحرب نهائيا.
وفي 19 سبتمبر استقبلت الرياض وفدا من الحوثيين لاستكمال البحث في المسار السياسي لحل الأزمة اليمنية.
ليلة الرابع عشر من أبريل 2023 نام السودانيون على أخبار أزمة سياسية، لكن معظمهم ما كان ليتصور أن اليوم التالي سيشهد نشوب حرب طاحنة بين جناحي السلطة في البلاد، أي الجيش وقوات الدعم السريع.
وقد ذهب ضحيتها حتى الآن آلاف المواطنين، واضطر مئات الآلاف إلى النزوح من بيوتهم طلبا للسلامة في مناطق أو دول مجاورة أكثر أمانا.
ولغاية اليوم لا تزال الحرب على أشدها وتنذر بتفكك ما تبقى من مؤسسات الدولة ومعها وحدة البلاد.
والحرب مرشحة لأن تتوسع أكثر لتشمل جميع الولايات السودانية، ومن الواضح أن الجوار لكن يكون في منأى عن مضاعفات هذه الحرب.
وفي السياق عينه لا ننسى التوتر المتصاعد بنهاية هذا العام بين مصر وإثيوبيا بعد فشل آخر جولة مفاوضات بين الطرفين قبل أيام، على خلفية إصرار الأخيرة على المضي قدما بتشغيل سد النهضة بشكل يهدد المصالح القومية المصرية، وينذر باشتعال نزاع خطير في المنطقة.
لكن في المقابل وبمسار معاكس، انشغلت المنطقة المطلة على البحر الأحمر قبل 7 أكتوبر بالتنمية الاقتصادية، وبمشاريع شراكات عملاقة إقليمية ودولية، مثل تأسيس الممر الاقتصادي الهندي – الشرق أوسطي – الأوروبي قبل شهر من انفجار الوضع في غزة، أو انضمام دولتين تطلان على البحر الأحمر كالمملكة العربية السعودية، ومصر (إضافة إلى الامارات عند الخليج العربي) إلى مجموعة “بريكس” الاقتصادية. شكلت هذه التطورات نقطة مضيئة في محيط من السلبيات الإقليمية.
في أعقاب عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها حركة حماس في 7 أكتوبر 2023، أدت الحرب التي نشبت إلى نقل المنطقة من حال إلى حال، لا سيما بعدما قام الحوثيون بالتدخل في إطار ما يسمى “وحدة الساحات” في الصراع بين إسرائيل وحماس.
بداية أطلقت صواريخ ومسيرات مفخخة ضد ميناء إيلات في إسرائيل، من دون أن تؤثر كثيرا على عمليات الميدان.
وفي مرحلة ثانية انتقل الحوثيون إلى استهداف سفن تجارية على صلة بمصالح إسرائيلية إما بصواريخ أو بمسيرات أو محاولة قرصنتها، ما أدى إلى عرقلة خطوط الملاحة البحرية من خليج عدن صعودا إلى مضيق باب المندب، وصولا إلى البحر الأحمر.
أكثر من 25 عملية استهداف لسفن عابرة، وقد استدرجت أعمال الحوثيين رفع مستوى عسكرة البحر الأحمر، مع إيفاد دول عدة وفي مقدمها الولايات المتحدة سفنا حربية إلى المنطقة، لحماية خطوط الملاحة والتجارة الدولية المهددة.
نظرة فاحصة إلى خريطة “بحر الأزمات” البحر الأحمر بنهاية هذا العام، تكشف عن ثلاثة نقاط توتر كبيرة فيه: الأولى جنوبي البحر الأحمر عند باب المندب.
والثانية في الوسط في السودان حيث فشلت جميع جهود الوساطة لإطفاء الحريق المتمادي في دولة تطل على البحر الأحمر بشاطئ يبلغ نحو 853 كيلومترا.
والثالثة على الشاطئ الإسرائيلي في عمق خليج العقبة شمالا. ثلاث أزمات كبيرة، اثنتان مترابطتان (إسرائيل واليمن)، والثالثة (السودان) مؤثرة على استقرار 6 دول مشاطئة في البحر الأحمر.
قد يتراجع منسوب التوتر عند الممر البحري لجهة باب المندب متى انتهت حرب غزة، لكن ما قام به الحوثيون يشكل اختبارا سيتعين على دول المنطقة والمجتمع الدولي المعني فحص دروسه للمستقبل.
أما الحرب في السودان فمرجح أن تطول وتتفاقم أكثر. وأما التوتر بين مصر واثيوبيا بشأن سد النهضة فأزمة يبدو خطها البياني صاعدا و يا للأسف.