الانسحاب الأميركي من العراق: واقع على الأرض أم تمنيات
الطرفان يرغبان في إنهاء تواجد القوات الدولية على أن يتم بطريقة واقعية متفق عليها دون المساس بأمن العراق وأن تكون هناك تعهدات من قوات الأمن العراقية بحماية العراق وشعبه.
العراق شكّل أهمية قصوى لدى واشنطن، وهو ما جعلها تحرك بوارجها نحوه، وتدخله بجيوشها بحجة تحريره ورفع شعار “التحرير”. ولكن ما إن سقط النظام السابق حتى انكشفت النوايا، وانقشع الغبار لتتضح الغاية من اجتياح العراق والسيطرة على خارطته الجيوسياسية، ليكون منطلقًا ومرصدًا لواشنطن في منطقة الشرق الأوسط. والآن، بعد مرور أكثر من عشرين عامًا على دخول قوات التحالف الدولي، ذهب العراق إلى ضرورة إنهاء هذا الملف والطلب من المجتمع الدولي سحب قواته القتالية، التي مثلت جزءًا من عملية دولية قامت بعد اجتياح عصابات داعش الإرهابية العراق والسيطرة على ثلث أراضيه، وبالتعاون مع القوات الأمنية العراقية بمختلف صنوفها.
عُقدت اجتماعات كثيرة بين الحكومتين العراقية والأميركية لمناقشة هذا الملف، إذ ترى واشنطن أن مناقشة الانسحاب أمر سابق لأوانه، وعلى بغداد تقبل وجود هذه القوات حتى على المدى البعيد، خصوصًا أن القوات الدولية تتذرع بالتهديد المستمر الذي تشكله داعش للعراق وعموم المنطقة، والذي بالتأكيد يتحرك وفق أجندات واضحة غايتها خلط الأوراق متى ما أريد لها ذلك.
◄ بعد مرور أكثر من عشرين عامًا على دخول قوات التحالف الدولي، ذهب العراق إلى ضرورة إنهاء هذا الملف والطلب من المجتمع الدولي سحب قواته القتالية
يبدو أنه، لا يوجد ما يشير إلى انسحاب في المستقبل القريب، وما يدور في الكواليس من حوارات بين الجانبين لا يتعدى الحديث الشفاهيّ، وإن وجدت تلك الحوارات فهي تسير ببطء، وهذا يعود إلى عدة أسباب منها ما هو متعلق بالتهديد الذي يشكله داعش، والذي بحسب تصريحات القادة الأميركيين يتزايد، في حين ترى القيادة العسكرية العراقية أنها قادرة على مواجهة هذه العصابات والتغلب عليها. بل إن هناك عمليات استباقية تقوم بها القوات الأمنية العراقية في مختلف الجبهات مع الدواعش، وقد تحققت ضربات نوعية في القضاء على قياداتها. ولكن التحليل العميق يكشف عن المعطى الأكثر ثباتا أن تذرّع التحالف الدولي بوجود داعش ليس أكثر أهمية من التهديد المستمر الذي تشكله إيران على المصالح الأميركية في المنطقة.
الاعتقاد السائد في واشنطن في حال أرادت مواصلة وجودها العسكري في شمال سوريا لمحاربة داعش، أن عليها الحفاظ على بصمة عسكرية في العراق لأسباب لوجستية، وهذا ما يبرر عدم الانسحاب السريع، إلى حين إيجاد بديل لهذا الدعم. إضافة إلى أن تسليح الجيش العراقي يعتمد بنسبة كبيرة على المنتج الأميركي، وهو الأمر الذي يجعل من الصعوبة التخلي عن هذا الدعم، خصوصًا وأن هناك معدات تحتاج إلى الصيانة والتصليح المستمريْن كالطائرات والدبابات وغيرها من معدات لوجستية.
يبدو، ومن خلال الأحداث، أن التحليل الأقرب للواقع أن الانسحاب من العراق لن يتم بسهولة، وستكون هناك بدائل على الأرض، إذا ما علمنا أن المناقشات بين الطرفين مازالت مستمرة وقد تستمر، خصوصًا أن الجميع ينتظر نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر.
أعتقد، وكما يرى الكثير من المراقبين، أن الطرفين يرغبان في إنهاء تواجد القوات الدولية في العراق، على أن يتم بطريقة واقعية متفق عليها بين الطرفين دون المساس بأمن العراق مستقبلًا، وأن تكون هناك تعهدات حقيقية من قبل القوات الأمنية العراقية بقدرتها على حماية أمن وسلامة البلد وشعبه، وأن تتطور هذه العلاقة من عسكرية إلى معلوماتية واستخباراتية. وهذا الأمر يحدده الواقع على الأرض وليست التمنيات.
المصدر: العرب