رأي

الانتخابات: تدور في “الزواريب”.. وصداها في العواصم الكبيرة

كتب ايلي القصيفي في “اساس ميديا”:

على الرغم من ازدياد حماوة الحملات الانتخابية كلّما اقترب استحقاق 15 أيار، بيد أنّ هذه الحماوة لا تعكس كامل المشهد الانتخابي بشقّيه الداخلي والخارجي. إذ يغلب على الخطاب الانتخابي الطابع المحلّي التقليدي في المنافسة بين زعماء الطوائف وكأنّه لا أبعاد إقليمية – دولية لهذه الانتخابات فيما تجري في الواقع مثل كلّ انتخابات، وربّما أكثر من سابقاتها، في سياق إقليمي ودولي يؤثّر في مجرياتها ويحدّد نتائجها السياسية عقب انتهائها.

يشكّل حزب الله استثناءً. إذ سارع منذ بدء السباق الانتخابي إلى اعتبار الانتخابات محطّة مواجهة بينه وبين أميركا وحلفائها في لبنان. بيد أنّ الحزب لم يحافظ على وتيرة تصاعدية في التركيز على البعد الخارجي للانتخابات. ومن بين الأسباب أنّ خطاب خصومه التقليديين لا يجلب الماء إلى طاحونته ما دام هؤلاء يخوضون المعركة بعضهم ضدّ البعض الآخر بخلاف انتخابات 2009 عندما كانت المعركة بين جبهتين ينتمي كلّ منهما بوضوح إلى محور إقليمي- دوليّ معيّن.

يشكّل حزب الله استثناءً. إذ سارع منذ بدء السباق الانتخابي إلى اعتبار الانتخابات محطّة مواجهة بينه وبين أميركا وحلفائها في لبنان. بيد أنّ الحزب لم يحافظ على وتيرة تصاعدية في التركيز على البعد الخارجي للانتخابات

ما يميّز هذه الانتخابات هو أنّ الصراع الإقليمي – الدولي بشأنها ليس واضحاً كما في المرّات السابقة. لكن هذا لا يعني أنّها تجري بحسابات محلّيّة بحت، وأنّها معزولة عن أيّ سياق خارجي. على العكس من ذلك فإنّ المعركة الانتخابية الحالية تحصل في لحظة سياسية دولية وإقليمية دقيقة ومعقّدة جدّاً. وهو ما ينعكس مباشرة في كيفية انخراط الدول الإقليمية في هذه المعركة وفي كيفيّة تصرّف القوى المحلّيّة إزاء هذا الانخراط بشكله الجديد.

القوّة الناعمة غير التقليدية

لذلك ليس طغيان الطابع المحلّي على الانتخابات انعكاساً لخيارات القوى السياسية ولطبيعة المعركة الانتخابية بتحالفاتها وخصوماتها بقدر ما هو ترجمة مباشرة لتبدّل أنماط ووتيرة الصراع الإقليمي – الدولي حول لبنان الذي لم يعد صراعاً مباشراً وعلنيّاً كما درجت العادة، بل أصبح صراعاً بالنقاط وبأدوات “القوّة الناعمة” في كثير من الأحيان.

هذا تحوّل كبير في المشهد السياسي اللبناني ستكرّسه هذه الانتخابات التي تحصل على وقع المتغيّرات في خريطة العلاقات الدولية والإقليمية. فمن التحوّلات غير المسبوقة في وتيرة العلاقات السعودية الأميركية، إلى “التقدّم” في المفاوضات السعودية – الإيرانية في وقت تتباطأ حظوظ التّوصّل إلى اتفاق بين واشنطن وطهران في مفاوضات فيينا، إلى تشكّل ما يمكن تسميته وضع استراتيجي جديد بين دول عربية مهمّة وإسرائيل، إلى التحوّلات في السياسات التركية تجاه كلّ من السعودية ومصر والإمارات، أضف إلى ذلك الدور الفرنسي الآخذ في التوسّع والاستقرار في لبنان والذي يسير ضمن الممرّات الآمنة بين الرياض وطهران… كلّ ذلك لا بدّ أن يترك تأثيراً كبيراً على استحقاق 15 أيّار وما بعده.

إذّاك ستكون هذه الانتخابات محطّة بين مرحلتين في لبنان. فعلى الرغم من اشتداد زخم المعركة الانتخابية، إلّا أنّ المقاربة السياسيّة العميقة لهذه الانتخابات تتطلّع منذ الآن إلى اليوم الذي يليها، والاهتمام الإقليمي والدولي بهذه الانتخابات يتّصل أساساً بمرحلة ما بعدها. عليه فإنّ أيّ انخراط إقليمي أو دولي في المعركة الانتخابية تمليه حسابات وقراءات القوى الإقليمية والدولية للمرحلة المقبلة باستحقاقاتها الرئيسية بدءاً من انتخاب رئيس للبرلمان إلى تشكيل حكومة جديدة وصولاً إلى الاستحقاق الأهمّ وهو انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ناهيك عن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي التي ستأخذ حكماً طابعاً سياسياً، إذ ستكون ثمرة التسوية الدولية – الإقليمية حول لبنان، أو دليلاً إلى إمكان هذه التسوية في حال وُقّع هذا الاتفاق قبل نضوج التسوية بمندرجاتها جميعاً.

توازنات جديدة

تقدّم أوراق التسوية حول لبنان، لا يحسن الظنّ بأنّها تسوية سهلة وجاهزة وأنّه يكفي إجراء الانتخابات للمباشرة في ترتيبات إبرامها، سواء عبر مسارات سياسية ودبلوماسية إقليمية ودولية، أو عبر مؤتمر دولي بشأن لبنان يُشاع منذ الآن أنّ فرنسا بصدد الإعداد له.

سيكون الانخراط الإقليمي والدولي في المعركة الانتخابية انخراطاً ممنهجاً وذا هدف واضح يتمثّل في تحديد فوز حزب الله وتقليصه إلى الحدود الدنيا

لذلك كلّ ما يحكى عن أنّ نتائج هذه الانتخابات متوقّعة ومعروفة قبل حصولها لا يأخذ في الاعتبار أنّ المسار السياسي الجديد الذي يُفترض أن ينطلق بعد الانتخابات يحتّم إرساء توازنات جديدة في المشهد اللبناني ولو في ظلّ أرجحيّة سياسية لحزب الله وحلفائه. لكنّها أرجحية محدودة، إذ لا يمكن أن تتجاوز حدّاً معيّناً وإلّا تستحيل التسوية مجرّد تسليم إقليمي ودولي بسيطرة حزب الله على لبنان. وهو ما لا يمكن تصوّره في ظلّ الظرف السياسي الراهن حيث تحاول القوى الإقليمية والدولية الكبرى تعزيز أوراق قوّتها في خريطة المنطقة ومن ضمنها لبنان.

تقليص فوز الحزب

انطلاقاً ممّا سبق سيكون الانخراط الإقليمي والدولي في المعركة الانتخابية انخراطاً ممنهجاً وذا هدف واضح يتمثّل في تحديد فوز حزب الله وتقليصه إلى الحدود الدنيا. لذلك من المتوقّع أن يتحوّل السباق الانتخابي في الأيام القليلة الفاصلة عن موعد 15 أيار إلى معركة بين حدّين:

  • الأوّل: استخدام حزب الله كلّ أدواته لضمان الفوز بأقصى عدد ممكن من المقاعد، سواء ضمن الطائفة الشيعية أو ضمن الطوائف الأخرى عبر حلفائه، وهو ما دلّ عليه انسحاب عدد من المرشّحين الشيعة لمصلحة لوائح الحزب في البقاع.
  • الثاني: تعزيز فرص فوز خصوم الحزب في عدد من الدوائر، ولا سيّما في الدوائر ذات الغالبية السنّيّة حيث تسود بلبلة غير مسبوقة بفعل قرار تيار المستقبل “العزوف” عن خوض الانتخابات.

هذا هو المضمون السياسي الرئيسي لهذه الانتخابات التي تحصل في ظروف اجتماعية كارثية، لكنّها لا تقف حائلاً دون استكمال جولات الصراع السياسي الداخلي المعطوف على الكباش الدولي والإقليمي حول لبنان. فالفراغ الذي خلّفه تعليق الرئيس سعد الحريري عمله السياسيّ “التقليدي” لا يقتصر على الساحة السنّيّة التي لا بدّ أن تُنتج ديناميّات سياسيّة جديدة. بل إنّ وقع هذا الفراغ ينصبّ أساساً على كيفية صياغة التسويات في المرحلة المقبلة بعدما كان تيار المستقبل عرّاب التسوية مع حزب الله طوال الفترة الماضية.

يكتسب المشهد الانتخابي السنّيّ يوماً بعد يوم أهميّة قصوى بالنظر إلى أنّه الساحة الرئيسية لإنتاج التوازنات الجديدة في البرلمان العتيد التي ستكون عاملاً مؤثّراً في تحديد موازين القوى الداخلية والخارجية في أيّ تسوية بشأن لبنان في المرحلة المقبلة.

ستؤكّد الحماوة الانتخابية في الأيام القليلة المقبلة مرّة جديدة أنّ المعارك الانتخابية اللبنانية تدور رحاها في المدن والدساكر والقرى وبين العائلات والأفخاذ ضمن العائلة الواحدة، لكنّ صداها يتردّد في كبريات العواصم الإقليمية والدولية!

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى