رأي

الانتخابات الرئاسية الإيرانية وخيارات علي خامنئي

كتبت كاميليا انتخابي فرد في صحيفة إندبندنت.

بعد الانتهاء من عملية البحث وإعلان مقتل رئيس النظام الإيراني إبراهيم رئيسي في حادث سقوط طائرة هليكوبتر في منطقة ورزقان، خرج مسؤولو النظام من حالة الدهشة إلى مرحلة التخطيط وإدارة الحادثة.

يبدو أنه بعد حوادث مثل اغتيال رئيس الوزراء السابق محمد جواد باهنر والرئيس الأسبق محمد حسين رجائي قبل أكثر من 40 عاماً لم يمر النظام الإيراني بمثل هذه الأزمة.

وفي وقت يصف مرشد النظام علي خامنئي أنه يرى “سفينة النظام تمضي بهدوء” قتل فجأة رئيس البلاد رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان وعدد آخر من ركاب طائرة الهليكوبتر.

وكان خامنئي والمجموعة المقربة منه ومن ضمنهم رئيسي الذي كان جزأ من اللاعبين قد عملوا بشكل دقيق من أجل التخطيط لإدارة دوره بعد وفاة المرشد.

وبدأوا الخطوة الأولى لتعيين خليفة خامنئي من خلال توحيد سلطات الحكم قبل ثلاث سنوات لتكون في قبضة المحافظين، هذه الخطوة بدأت بالتمهيد لانتخاب رئيسي رئيساً للبلاد بطلب وموافقة علي خامنئي.

منصب “ولي الفقيه”

ومضوا بالخطوات الأخرى خلال انتخابات مجلس الشورى ومجلس خبراء القيادة ومجلس تشخيص مصلحة النظام ومجلس صيانة الدستور.

فالرجل الذي يبلغ 82 سنة وترد أنباء كثيرة عن وضعه الصحي وحدة معاناته من مرض السرطان يجب أن يضع في حساباته بعض الأولويات من أجل استمرار النظام وإدارة الحكومة طبقاً لأذواقه.

وتدل بعض الإشارات إلى أنه ينوي حسم منصب “ولي الفقيه” حتى قبل وفاته لذلك قام بوضع بيادقه وأنصاره في مؤسسات حساسة. 

عمل خامنئي على إدارة تركيبة مجلس خبراء القيادة لتكون موحدة، كما أفرزت انتخابات مجلس الشورى قوى ثورية وموالية لـ “ولي الفقيه”. وعمل على إبعاد غير المقربين منه من مجلس صيانة الدستور وأقصى وجوهاً كان من الممكن أن تعرقل انتخاب الشخص الذي يرغب بتوليه منصب “ولاية الفقيه”. من بين هؤلاء الذين شملتهم مواجهة خامنئي، الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد ورئيس مجلس الشورى الأسبق مهدي كروبي ورئيس الوزراء الأسبق مير حسين موسوي والرئيس السابق حسن روحاني ورئيس مجلس الشورى السابق علي لاريجاني.

يعتمد نظام الجمهورية الإسلامية قاعدة الخطأ الأول والأخير، فإذا ما ارتكب أحد خطأ ما لن يجد أمامه حظوظاً أخرى للعودة. فهنالك عدد كبير من المسؤولين السابقين ارتكبوا خطأ واحداً فأزيحوا من الساحة من بينهم محمود أحمدي نجاد ومحمد خاتمي وعلي لاريجاني وصادق لاريجاني وحسن روحاني والأهم من هؤلاء جميعاً أكبر هاشمي رفسنجاني.

مرشد النظام علي خامنئي كان بحاجة إلى شخص يعتمد عليه لإنهاء المهمة التاريخية في تعيين خليفة للمرشد بعد وفاته.

وكان إبراهيم رئيسي شخصاً مطيعاً وموالياً للنظام ومرشد الجمهورية وقد اجتاز اختبارات متعددة وأثبت وفاءه وامتثاله لأوامر “ولي الفقيه” من دون أي تردد.

يكشف ماضي رئيسي أنه يتبع سياسات النظام ومرشد النظام نفسه، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا قرر النظام أن يتولى رئيسي رئاسة البلاد في مرحلة حساسة؟

 قرروا ذلك لأن الدستور الإيراني يمنحه مهمة “إدارة القيادة” عند وفاة المرشد. الدستور الإيراني يقول بصراحة: “من أسباب اعتماد القيادة الموقتة، وفاة المرشد وإقالته بواسطة مجلس خبراء القيادة أو استقالة المرشد وعجزه في أداء مهامه. في مثل هذه الحالات يتشكل مجلس يضم رئيس الجمهورية ورئيس السلطة القضائية وأحد فقهاء مجلس صيانة الدستور ويختاره مجمع تشخيص مصلحة النظام ويتولى هذا المجلس قيادة البلاد وإذا ما عجز أي من هؤلاء الأشخاص من أداء مهامه يختار مجمع تشخيص مصلحة النظام أحداً ليحل مكانه… المجلس الموقت للقيادة يؤدي المهام الواردة في الأصول الدستورية 1 و3و5 و10 و (د)،(و)، (ه)، (و) والبند رقم 6 من الأصل مئة وعشرة بعد موافقة ثلاثة أرباع أعضاء مجمع تشخيص مصلحة النظام. ولم يحدد الدستور الإيراني مدة استمرار كفالة القيادة”.

الشخص الأول في إدارة الحكم

وكان رئيسي طبقاً للدستور الإيراني مؤهل لأداء نفس الدور الذي لعبه أكبر هاشمي رفسنجاني بعد وفاة مؤسس النظام روح الله الخميني إذ تولى “إدارة القيادة” ولعب دوراً أساسياً في تقديم علي خامنئي لمجلس خبراء القيادة وإيصاله إلى السلطة ليتولى الدور التاريخي المعاصر المهم في النظام.

أعتقد أن رئيسي لم يكن منافساً لأي شخص آخر في تولي منصب “ولي الفقيه” بعد خامنئي ولم يكن مقرراً أن يسند إليه منصب “ولي الفقيه”، لكنه كان شخصاً أميناً للنظام وكان بإمكانه تسهيل كل ما يتطلب من تمهيدات لوصول من يرغب به خامنئي لتولي هذا المنصب بعده. 

طبقاً للدستور الإيراني، بعد وفاة المرشد يتحول رئيس البلاد إلى الشخص الأول في إدارة الحكم، ويتولى إدارة اللجنة المشرفة على انتخاب القائد الجديد وكذلك اجتماعات مجلس صيانة الدستور.

لذلك كان من الطبيعي أن لا يسمح علي خامنئي والمقربون منه بتولي أحد منصب رئاسة الجمهورية غير رئيسي في وقت يتقدم فيه المرشد بالعمر وقد يتوفى خلال فترة قريبة.

كما كان رئيسي أحد المرشحين لتولي رئاسة مجلس صيانة الدستور ومن المقرر أن يختار المجلس رئيساً له الشهر المقبل وكانت حظوظ رئيسي كبيرة.

ماذا سيفعل النظام؟

أرى أن هذه الإجراءات تجري من أجل التمهيد لإدارة فترة يتوفى فيها خامنئي بشكل طبيعي ومفاجئ. لكن في مثل هذه الظروف التي قتل فيها رئيسي ماذا سيفعل النظام خلال الـ50 يوماً القادمة لانتخاب رئيس جديد للبلاد؟

النظام الإيراني يواجه تحديين بعد شغور منصب رئيس الجمهورية ووزير الخارجية. فالتحديات في السياسة الخارجية مرتبطة بالقضايا الإقليمية والدول المجاورة وحرب غزة والبرنامج النووي الإيراني وكذلك يعمل النظام على ضمان مصالحه ومستقبل الحكم.

مع الأخذ بعين الاعتبار المخاطر الدولية التي تعرض لها النظام بعد مقتل رئيسي، يبدو أن المجموعات السياسية المنافسة لن تعمل على مقاطعة الانتخابات وستشارك فيها من أجل البقاء في الساحة، إذ أن وجودها رهن ببقاء الحكومة. 

لكن لنفس الأسباب التي جرى شرحها، أستبعد أن توكل زمام الأمور إلى رئيس غير موثوق من قبل مرشد النظام. ولا نستبعد أن يتقدم أحد رجال الدين الملتزمين بالنظام والمطيعين لأوامر خامنئي بالترشيح للانتخابات خلال الأيام القادمة.

إذا ما استطاع النظام الإيراني حسم خليفة المرشد – وهنالك احتمالات كثيرة تطرح بشأن رغبة أحد أبناء خامنئي خاصة مجتبى خامنئي بتولي المنصب – فإن النظام قد يسمح بترشيح شخصيات معتدلة مثل وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف لتولي منصب رئاسة البلاد.

كان محمد جواد ظريف يملك حظوظاً للعودة إلى المسرح السياسي بعد حسم منصب خليفة المرشد في العام المقبل. لكن مقتل رئيسي بشكل مفاجئ تسبب بتحديات لغرفة عمليات خامنئي، فأمام النظام انتخابات رئاسية لا يمكن التكهن بنتائجها.

إبراهيم رئيسي لم يأت لتولي منصب قائد البلاد، بل لتسهيل مسار تعيين القائد المستقبلي. فالرئيس القادم لن يعمل لتقديم خدمة لإيران وشعبها بل من أجل مصالح النظام وتحقيق مطالب المرشد الحالي.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى