رأي

الانتخابات الجزائرية.. ماذا يريد تبون من تمديد الترقب

كتب صابر بليدي في صحيفة العرب.

التفرد بالقرار السياسي، وإبعاد الطبقة السياسية عن المشاركة فيه، أدخلا السلطة في حالة من العزلة عن المجتمع وحتى عن شركائها، فحماس قوى الموالاة عرف تراجعا رغم حفاظها على خطها السياسي.

إلى غاية الآن لم يحصل أنصار الرئيس عبدالمجيد تبون على الإشارة الخضراء لبدء حملة الحشد والتأييد تحسبا للانتخابات الرئاسية المقررة في السابع من شهر سبتمبر القادم، مما يطرح استفهامات حول التحفظ الذي يلتزم به الفريق الرئاسي، إن كان جزءا من “تكتيك” يدير به الرجل المغامرة السياسية، أم أن الأمر لم يحسم بعد في ما وصفته برقية الوكالة الرسمية بـ“العلبة الرئاسية السوداء”.

إعادة ترشيح تبون هي محصلة طبيعية لاستمرار الرئيس وإتمام ما بدأه في ما يروج له على أنه “الجزائر الجديدة”، وهو نتيجة آلية لاستمرار نهج النظام السياسي غير المستعد للتنازل عن السلطة، لكن ما يشوبها هذه المرة هو حالة الزهد، فلا الشارع يلح عليه إكمال ما بدأه، ولا القوى التي تقف خلفه تؤكد الحاجة إلى استمراره، فأين تكمن العلة.. في رغبة السلطة بالقطع مع ممارسات العهد السابق، أم غموض في الموقف؟

العارفون بالشأن السياسي في الجزائر، يجزمون بأن المسألة باتت في حكم الأمر المحسوم، وأن تبون هو الرئيس الجزائري خلال الخمس سنوات المقبلة، إلا في حالة طارئ استثنائي خلال الأسابيع القليلة المقبلة، وأن السلطة ليس في حوزتها بديل جاهز يكون بمثابة الخطة “ب”.

لكن، تحفظ الرجل إلى حد الآن، يضفي حالة من الغموض، بما أنه ليس هناك أي مانع يحول دون مروره إلى الولاية الثانية، فدستور البلاد ينص صراحة على “تحديد العهدات الرئاسية بعهدة واحدة، قابلة للتجديد مرة واحدة فقط”، وهو أمر معمول به في كل الدساتير والأنظمة السياسية، ولم يحدث أن اكتفى رئيس ما بولاية واحدة إلا في حالات استثنائية.

رد تبون، على دعوات صدح بها نواب برلمانيون في خطاب الأمة من أجل الترشح، بعدم الحسم وترك القضية إلى ما أسماه بـ“القدرة والصحة”، وإلى “إرادة الشعب”، ونفس الجواب رد به على آخر سؤال طرح عليه في ظهوره الإعلامي مؤخرا، بأن “الوقت لم يحن بعد”، و“الأولوية الآن لاستكمال تنفيذ وتجسيد التعهدات التي أطلقها في برنامجه الانتخابي السابق”.

تفضيل تبون اللعب بورقة الترقب والانتظار قد يكون نوعا من التشويق السياسي لتحفيز المجتمع على الانخراط في الاستحقاق، وجس نبض الساحة السياسية تحسبا لفرز منافسين محتملين، كما يمكن أن يكون قطعا مع تقاليد سابقة كان الرئيس فيها يعرف مسبقا، وسعى لإضفاء مناخ آخر على الموعد الانتخابي، بداية من تغيير الموعد إلى تقديم ضمانات بعدم استغلال موقعه ومكانته في كسب فارق السباق.

ومقارنة بتجربة الانتخابات الرئاسية الجزائرية في العقدين الأخيرين، رغم أنها كانت محسومة إلى حد بعيد لصالح مرشح السلطة، وتمت مراجعة الدستور لأجل فتح عدد العهدات الرئاسية، فإن حالة الخفوت الذي تعيشه الساحة الآن تبقى غير مفهومة، ولم يبق لها إلا مبرر واحد، وهو أن السلطة التي تريد تمرير مرشحها بزخم وتفاعل شعبي أكبر، وجدت نفسها في مواجهة صمت غير مسبوق، بسبب حالة الغلق السياسي والإعلامي خلال السنوات الأخيرة.

ومع ذلك كان قطاع من الطبقة السياسية والشارع الجزائري، لا ييأس من مقارعة مرشح السلطة، وحتى التجربة الأخيرة استطاعت من خلال “أرانب السباق”، إضفاء حالة من التنافس السياسي وإقناع الرأي العام الداخلي والخارجي بالنهج الديمقراطي وتوفير فرص التداول، لاسيما وأن الكعك السياسي كان يوزع على دائرة أوسع من الأحزاب والشخصيات.

لقد لمّحت برقية وكالة الأنباء الرسمية السابقة إلى اعتراف السلطة بأن انتخابات عام 2019 الرئاسية لم تكن مواتية لطموحات السلطة، كونها جاءت “في ظرف وتوقيت مستعجل من أجل استعادة مؤسسات الدولة، ولذلك وجبت العودة إلى الظروف العادية وتحسين ظروفها التقنية”، وهو ما أكده تبون في ظهوره الإعلامي الأخير.

وتضفي التلميحات إلى أن السلطة تريد القطع مع العهد السابق، عندما كان الرئيس المقبل يعرف مسبقا، أنها تريد مناخا وأجواء أخرى يمر من خلالها مرشح السلطة بتفاعل ومشاركة شعبية كبيرين، بغية إسكات الألسن والدوائر المعارضة عن الانتقاد والتشكيك والطعن في شرعية الرئيس.

لكن، يبدو أن تراكم خيارات السنوات الأخيرة، خاصة التفرد بالقرار السياسي، وإبعاد الطبقة السياسية عن المشاركة فيه، أدخل السلطة في حالة من العزلة عن المجتمع وحتى عن شركائها، فحماس قوى الموالاة عرف تراجعا رغم حفاظها على خطها السياسي، وإلى حد الآن اكتفت أعرق تلك القوى وأقواها بإطلاق رسائل الاستعداد دون أن تزيد عن ذلك شيئا.

وفي المقابل لا يزال الصمت يخيم على الخندق الآخر، فحتى قوى الحراك الشعبي لم تبد أي مبادرة لتقديم مرشح أو مرشحين لها، لقناعة راسخة لديها بأن اللعبة مغلقة لصالح مرشح السلطة ولا جدوى من دخول مغامرة محسومة مسبقا، وإذا كان ذلك يريح السلطة من منافسة قد تقلب الطاولة عليها، إلا أنه ينم عن ضعف في المناورة السياسية التي تستفز، أو رغبة في تفكيك الخصم من أجل دخول سباق يساهم في استقطاب الشارع دون أن يزعج مرشحها.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى