الانتخابات الأوروبية.. قراءة أولية
كتب عماد الدين حسين, في “البيان”:
ما المفاجأة الحقيقية في انتخابات البرلمان الأوروبي التي جرت في أوائل شهر يونيو الماضي؟!
في ظني أن القراءة الأمينة والصحيحة هي أن أحزاب اليمين المتطرف حققت تقدماً ملحوظاً، لكنها لم تستطع تحقيق الأغلبية الكاسحة، كما كان يتوقع كثيرون.
وبالتالي فالمفاجأة الفعلية هي أن أحزاب الوسط ويمين ويسار الوسط تمكنت من الاحتفاظ بالأغلبية التي تزيد على 56 %، حتى لو كانت خسرت بعض المقاعد لصالح أحزاب اليمين المتطرف، مقارنة بنتائج الانتخابات الماضية عام 2019.
منذ بداية العام ومعظم المراقبين يتحدثون عن توقعهم بفوز كاسح لليمين المتطرف في البرلمان الأوروبي، وكاتب هذه السطور التقى بالعديد من المسؤولين والخبراء الأوربيين في بروكسل في يناير الماضي، ومعظمهم عبر عن مخاوفه من صعود كبير لأحزاب اليمين المتطرف، وأن هذه الانتخابات سوف تكون بداية هيمنة هذا التيار على مجريات السياسة الأوروبية، خصوصاً إذا تم انتخاب دونالد ترامب مرة أخرى.
وعاد إلى البيت الأبيض في الخريف المقبل، بل إن البعض بدأ يقارن ما نعيشه اليوم مع ما عاشه العالم في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، حينما صعد «النازيون» إلى حكم ألمانيا، و«إلى حكم إيطاليا عبر صناديق الانتخاب»، وهو الأمر الذي قاد إلى اشتعال الحرب العالمية الثانية «1939 – 1945»، والتي راح ضحيتها أكثر من خمسين مليون شخص.
اليوم سوف أركز على الأرقام لأنها ذات دلالة مهمة، فرغم تقدم أحزاب اليمين المتطرف مقارنة بما كان عليه الحال في انتخابات 2019 الماضية إلى أن الائتلاف الحزبي واسع النطاق المؤيد لأوروبا الموحدة تصدر النتائج حاصداً 56 % من المقاعد. هذا الائتلاف حصد 403 مقاعد من إجمالي 720 مقعداً، وإذا تم إضافة المقاعد التي حصلت عليها أحزاب الخضر وهي 72 مقعداً فإن نسبة المؤيدين للوحدة الأوروبية ترتفع أكثر وأكثر.
في تفاصيل هذه النتيجة المهمة فإن حزب الشعب الأوروبي وهو يمين وسط حصل على 148 مقعداً، وأضاف إلى مقاعده سبعة مقاعد جديدة مقارنة بانتخابات 2019، والحزب الاشتراكي الديمقراطي وهو «يسار وسط» حصد 139 مقعداً وخسر مقعداً واحداً، أما مجموعة «تجديد أوروبا الليبرالية»، فقد منيت بخسارة كبيرة، فلم تحصل إلا على 80 مقعداً، بعد أن كانت ممثلة بـ 102 مقعد.
هذه هي النتيجة العامة التي تهم المراقبين والمتابعين، لكن الأمر ليس بهذه السهولة، فمن تحليل النتائج التفصيلية فإن هناك مؤشرات ينبغي النظر إليها، ولا يكفي مجرد الركون إلى النتيجة العامة التي يقول أنصار أوروبا إنها جيدة.
صحيح أن اليمين المتطرف لم يحقق اكتساحاً في النتيجة النهائية وحل ثانياً في بعض البلدان الأوروبية، إلا أنه حقق اختراقاً في بعض البلدان الكبرى، بما قد يشير إلى عواصف وأعاصير قادمة في قلب القارة الأوروبية، وقد حقق هذا اليمين المتطرف نجاحاً واضحاً في دول محورية مثل ألمانيا وفرنسا إضافة إلي بولندا وإسبانيا والمجر وهولندا.
فحزب «البديل من أجل ألمانيا» المتطرف حل ثانياً بنسبة 15.9 % من الأصوات، لكنه تجاوز الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم بزعامة أولاف شولتز الذي حصل على 13.9 %، في حين حافظ الحزب المسيحي الديمقراطي على تفوقه بنسبة 30 %.
هذه النتيجة مقلقة خصوصاً إذا استمرت في الانتخابات البرلمانية.
الأمر نفسه حدث في فرنسا، حيث تفوق حزب التجمع الوطني بقيادة جوردان بارديللا، وهو نفس حزب الجبهة الوطنية المتطرف بزعامة مارى جان لوبان، على حزب الرئيس إيمانويل ماكرون الحاكم وسجل ضعف مقاعده، الأمر الذي دفع ماكرون إلى الدعوة إلى انتخابات مبكرة، في محاولة لاحتواء صعود هذا التيار الشعبوي.
لكن المفاجأة الكبرى أن الحزب احتل المركز الأول أيضاً في المرحلة الأولى من الانتخابات التشريعية، لكنه تراجع للمركز الثالث في المرحلة الثانية، حيث تصدرت الأحزاب اليسارية يليها حزب الرئيس ماكرون.
تفوق اليمين المتطرف كان واضحاً أيضاً في المجر، حيث حصد حزب فيدس الذي يرأسه رئيس الوزراء فيكتور أوربان على 43 %، لكن المفاجأة هي أن حزب «تيسا» الذي تشكل منذ 3 شهور فقط بزعامة بيتر ماغيار، حصل على 31 % وهو يمين وسط.
أوربان قال لأنصاره عقب الفوز: «لقد هزمنا المعارضة والجديدة».
وفي النمسا فإن الحزب الحرية اليميني الشعبوي بزعامة هربرت كينكل وبعد أن تصدر بـ25.7 % قال إن الخطوة المقبلة هي الفوز بالمستشارية.
هذه هي النتائج الرقمية لبعض البلدان الأوروبية.. والسؤال: كيف يمكن ترجمة هذه النتائج على أرض الواقع السياسية، وهل تكون لها ارتدادات خصوصاً أن البعض يصفها بالزلزال، في حين أن كثيرين يقولون إنها مجرد هزات أرضية بسيطة؟!
من الواضح أن الهزات قد تكون مقدمة لزلزال حقيقي.