اقتصاد ومال

الاقتصاد الياباني يواجه ضغوطاً متصاعدة وسط حكومة منقسمة

تاكايتشي تقرّ بصعوبة تحديد مستهدفات للأجور وسط مخاوف انهيار الين

في وقت يواجه فيه الاقتصاد الياباني ضغوطاً متزامنة من ارتفاع تكاليف المعيشة وتدهور قيمة الين، أكدت رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي، الجمعة، أنه من الصعب على الحكومة تحديد هدف رقمي جديد للحد الأدنى للأجور حالياً، مشيرة إلى المخاطر التي قد تطول الشركات الصغيرة المُثقلة بتكاليف العمالة.

وقالت تاكايتشي أمام البرلمان: «لا يمكننا الآن تحديد مقدار الزيادة التي سترفعها اليابان في الحد الأدنى للأجور في وقت معين. مسؤولية الحكومة هي تهيئة بيئة تمكّن الشركات من رفع الأجور بوتيرة تتجاوز التضخم».

وجاء تصريحها رداً على سؤال حول ما إذا كانت ستلتزم بتعهّد رئيس الوزراء السابق شيغيرو إيشيبا برفع متوسط الحد الأدنى للأجور بنسبة 42 في المائة ليصل إلى 1500 ين في الساعة بحلول نهاية العقد، وهو وعد سياسي أصبح موضع تشكيك متزايد في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة.

انقسام داخل الحكومة

ويتزامن هذا التوجّه الحذر مع تفاقم أزمة الين الذي تراجع هذا الأسبوع إلى مستويات لامست 155 يناً مقابل الدولار، في استمرار لمسار الهبوط الذي تصاعد منذ فوز تاكايتشي برئاسة الحزب الحاكم الشهر الماضي.

ورغم تحذيرات وزارة المالية من «تحركات حادة أحادية الجانب» في سعر الصرف، فإن تأثيرها على الأسواق بدا محدوداً، في ظل غياب إشارات حازمة بالتدخل المباشر في سوق العملات كما حدث في يوليو (تموز) 2024 حين تراجعت العملة إلى 161.96 ين.

ويقول خبراء إن التحذيرات الحالية فقدت زخمها بسبب اختلاف الأولويات داخل الحكومة الجديدة. فتاكايتشي، المعروفة بدعمها سياسات التحفيز الضخم على طريقة «آبينوميكس»، المنسوبة إلى رئيس الوزراء الأسبق الراحل شينزو آبي عيَّنت مجموعة من المستشارين «الانكماشيين» الذين يرون في ضعف الين فرصة لتعزيز الصادرات والتخفيف من أثر الرسوم الجمركية الأميركية.

وأحد هؤلاء المستشارين، وهو الاقتصادي تاكوجي أيدا، أكد في لجنة حكومية أن «ضعف الين مفيد للنمو الصناعي الياباني في ضوء الرسوم الجمركية الأميركية»، وهو رأي يتناقض مع المخاوف التقليدية من ارتفاع تكلفة الواردات.

حيرة في السياسات

وتراجُع الين أصبح قضية حساسة داخل المجتمع الياباني؛ إذ قفز التضخم فوق هدف «بنك اليابان» البالغ 2 في المائة لأكثر من 3 سنوات، ما أثقل كاهل الأسر مع ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة.

ورغم إشارة محافظ «بنك اليابان» كازو أويدا إلى احتمال رفع الفائدة الشهر المقبل، عبّرت تاكايتشي ووزير ماليتها عن «عدم ارتياح» تجاه أي تشديد نقدي سريع، بحجة أن البلاد لم تحقق بعد «تضخماً مستداماً قائماً على الأجور».

ويرى محللون أن هذا الموقف قد يبطئ وتيرة رفع الفائدة ويشجع المزيد من المضاربات ضد الين؛ ما يرفع من احتمالات تدهور أكبر للعملة.

ويقول ريوتارو كونو، كبير الاقتصاديين في «بي إن بي باريبا»: «هناك احتمال متزايد أن إدارة تاكايتشي تفضّل السياسات الإنعاشية أكثر مما كان متوقعاً».

ماذا عن التدخل المقبل؟

ووفق تقديرات خبراء الصرف، فإن الحكومة اليابانية لن تقدِم على تدخل مباشر لشراء الين ما لم يهبط إلى ما دون 160 يناً للدولار، بينما يرى آخرون أن التدخل قد لا يحدث قبل كسر مستوى 165 يناً، خاصة مع استمرار أسعار الفائدة الحقيقية في اليابان تحت الصفر؛ ما يجعل التدخل مكلفاً وغير ذي جدوى.

كما أن الحصول على موافقة واشنطن لا يبدو مضموناً، إذ يشدد وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت على أن «رفع الفائدة – وليس التدخل – هو الطريقة المثلى لدعم الين».

وبين صعوبة رفع الحد الأدنى للأجور، وتردد حيال رفع أسعار الفائدة، وانقسام داخل الحكومة حول تأثير ضعف الين، تبدو اليابان مقبلة على مرحلة اقتصادية دقيقة تتطلب موازنة صعبة بين حماية الأسر، ودعم الشركات، واحتواء تقلبات الأسواق المالية.

وفي وقت تتواصل فيه الضغوط على العملة وتتصاعد نقاشات السياسات داخل طوكيو، يبقى السؤال المطروح: هل تستطيع إدارة تاكايتشي رسم مسار اقتصادي واضح، أم أن انقسام صانعي القرار سيُبقي الين والاقتصاد الياباني في حالة ترقّب مفتوح؟

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى