الاستحقاق الرئاسي على الطاولة خارجياً وداخلياً.. وبلورة الخيارات بعد منتصف أيلول
ما علاقة معركة ترسيم الحدود وملف الإصلاحات بمسار انتخاب الرئيس الجديد؟
كتب محمد بلوط في “الديار”:
الرحلة الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية لا تزال في اجواء ضبابية ومعقدة.
منذ اسبوعين بدأت عمليات جس النبض على المستوى المحلي والخارجي، بعد ان وضع تأليف الحكومة الجديدة جانبا.
والحقيقة، كما يقول اصحاب الشأن، انه منذ اللحظة الاولى بعد الانتخابات النيابية لم يكن هناك اي حماس يذكر لتاليفها، ولم تحظ تشكيلة الرئيس ميقاتي بدعم سياسي قوي ما جعل الرئيس عون متشددا تجاهها، فاقفل الابواب امام المشاورات حول اجراء تعديلات عليها مكتفيا بوضعها في ثلاجة بعبدا.
ولم يكن الرئيس ميقاتي بدوره متحمسا لقرع الابواب من اجل الدفاع عنها، ما يعطي انطباعا بان الجميع بدا انه مقنتع بتمرير الشهور القليلة للاستحقاق الرئاسي تحت مظلة حكومة تصريف الاعمال المرقعة.
الرئيس بري قالها صراحة منذ البداية انه لن يتردد في المساعدة اذا ما طلب منه ذلك، ولم يستخدم لعبة اخراج الارانب من تحت الاكمام.
اما الرئيسان عون وميقاتي فمترسا كل من موقعه، لا سيما ان الاول لا يريد حكومة جديدة تقل فيها حصة صهره والتيار، والثاني لا يريد تعويض التيار ما خسره في الانتخابات.
اذن، ملف تشكيل الحكومة طوي منذ البداية ولم يفتح بالطريقة الصحيحة. لذلك صار لا بد من التوجه الى الاستحقاق الرئاسي والتعامل معه.
ويبدو ان الخارج سبق الداخل في فتح اوراق هذا الاستحقاق اللبناني، خصوصا ان هناك اعتقادا سائدا لدى عدد من الدول المؤثرة بان انتخاب رئيس جديد يمكن ان يساهم في تحسين الاوضاع وتخفيف حدة الازمة في لبنان .
وكما عكست وسائل الاعلام الفرنسية، فان الملف اللبناني كان احد اطباق مائدة اللقاء الذي جرى مؤخرا بين الرئيس الفرنسي ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان في باريس، حيث تطرقا الى الاستحقاق الرئاسي عموما دون تناول اسماء مرشحين محددين. واكدا،كما هو معروف ويتكرر دائما، على ضرورة اجرائه في موعده.
ووفقا لما تسرب من معلومات من اروقة عربية وغربية في آن معا فان الدول التي تعتبر انها معنية اكثر بمتابعة شؤون لبنان والانخراط في احواله لم تدخل بعد في بحث الاسماء المرشحة او التي يمكن ترشيحها، ولم تعط رأيها في اسماء مطروحة وان كان معظمها يميل الى ما يمكن وصفه برئيس تسوية.
ويسعى الرئيس الفرنسي الى ادارة والتعامل مع هذا الملف اللبناني من خلال الحركة الناشطة التي شهدها الاليزيه في الاسابيع الاخيرة، من خلال اللقاءات التي اجراها قبل الاجتماع مع بن سلمان مع كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس دولة الامارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد . كما يتابع شخصيا الاتصالات واللقاءات التي تجريها السفيرة الفرنسية في بيروت.
وعلى الصعيد المحلي لا تبدو الصورة واضحة حتى الان، لكن الاجتماع الاخير الذي جرى الحديث عنه مؤخرا بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط والمسؤول في حزب الله وفيق صفا قد يكون تمهيدا مفيدا لفتح ملف الرئاسة من اجل اجراء هذا الاستحقاق في موعده وفي سلاسة، خصوصا ان جنبلاط قد يلعب الى جانب الرئيس بري دورا مهما في هذا الشأن.
وكما تقول اوساط سياسية مطلعة فان المرجح حتى الان ان يكون سليمان فرنجية هو المرشح الاوفر حظا عند فريق ٨ اذار والمعتدلين الوسطيين. وهذا ما يوفر له رصيدا قويا في الطريق الى بعبدا.
وترى ايضا ان ورقة ترشيح قائد الجيش العماد جوزاف عون مطروحة ايضا، لا سيما انه يحظى بدعم من اوساط سياسية داخلية ومن جهات خارجية مؤثرة.
ووفقا للمعلومات المتداولة مؤخرا فان هناك ورقة ثالثة مطروحة ايضا، وهي تتمثل باختيار مرشح تسوية يحظى بنسبة جيدة من التوافق، لكن التداول في الاسماء المطروحة لهذا الخيار لم يبدأ بعد نظرا للتعقيدات التي يمكن ان تواجهه والتي قد تعيق او تؤخر الاستحقاق الرئاسي .
وفي كل الحالات ترى الاوساط ان ملف الرئاسة مرشح ان يفتح بزخم اقوى في الاسابيع المقبلة لكن بلورة وحسم الخيارات لن يكون قبل منتصف ايلول.
لماذا ؟
اولا، لان المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس تمتد بين نهاية اب الجاري ونهاية تشرين الاول.
ثانيا، ان هناك استحقاقا مهما وقويا يمكن ان يلعب دوره في رسم مسار رئاسة الجمهورية يتمثل بمعركة ترسيم الحدود البحرية واستخراج النفط والغاز من مياهنا.
ثالثا، ان الازمة الاقتصادية والمالية الضاغطة والوضع المتردي يفرضان تسريع الخطوات الاصلاحية لتوفير دعم صندوق النقد الدولي والهيئات والجهات المانحة. وهذا ما اكد عليه مؤخرا الرئيس بري، معلنا انه لن يدعو الى جلسة انتخاب الرئيس الجديد قبل اقرار هذه الاصلاحات.
ويسود انطباع لدى العديد من المتابعين للشان اللبناني ان شهر اب والنصف الاول من ايلول سيشهدان تطورات مهمة على صعيد هذين الملفين: قضية ترسيم الحدود، وخطة التعافي والاصلاحات ما يوسع افاق التعامل مع الاستحقاق الرئاسي. اما اذا تاخرت الحلول فان مصير هذا الاستحقاق يبقى غامضا، ولا يستبعد الوقوع في الفراغ الصعب والقاتل.