الاحتراب السياسي لن ينتهي بالانتخابات
كتبت روزانا بو منصف في “النهار”:
قد يكون البطريرك الماروني الكاردينال #مار بشارة بطرس الراعي ابرز الذين باتوا يتموضعون استباقيا للامساك بقرون ثور انتخابات الرئاسة الاولى توازيا مع توجيه الرسائل في شأن #الانتخابات النيابية وضرورتها والاصرار على شقها المكمل وهو الانتخابات الرئاسية وحتمية اجرائها في موعدها. يضغط البطريرك الراعي لمقاومة اتجاه يخشاه كثر لا سيما في ضوء مواقف ملتبسة لرئيس الجمهورية مترافقة مع حملة قضائية من اجل ابعاد المسؤولية عن عهده في الانهيار الكارثي وعن تدمير المؤسسات وانهاء لبنان . في الاشهر الاخيرة لولاية الرئيس ميشال عون والتي بدأها بمعركة متعددة الاوجه توحي تلميحا الى امكان بقائه او توريث من يسميه هو، لا يترك البطريرك الراعي الساحة الرئاسية لعون وحده او لحلفائه بغض النظر عن نتائج الانتخابات النيابية المفترضة فيما ان القوى السياسية الخصم لعون منشغلة راهنا بالانتخابات النيابية قبل الانتقال لاحقا الى الانتخابات الرئاسية وعلى خلفية نتائج هذه الانتخابات أيضا. يعي البطريرك الماروني ان حرب داحس والغبراء ستنشأ ما بعد اجراء الانتخابات النيابية فيما ان البلد الذي سيشهد فراغا على مستوى الحكومة سيتجه بسرعة أكبر الى الدرجات الاخيرة من الانهيار ولا يحتمل البلد بضعة أشهر اخرى من ولاية عون بهذه الخلفية وبهذا الاستنزاف.
ليست مواقف البطريرك الراعي بعيدة عن هواجس لبنانية وحتى عن هواجس خارجية لدول لا تزال تولي لبنان اهتماما ولا ترى امكانا لا لبقاء عون ولا لتمكين “حزب الله” من السيطرة والتحكم بموقع الرئاسة الأولى. هناك مداولات تجرى في الكواليس السياسية خارجيا بحثا عن مرشح مقبول من الجميع ويلبي تطلعات اللبنانيين بعيدا من قانون انتخابي مسخ وضعته الطبقة السياسية على قياسها. اذ ان الانتخابات النيابية فقدت اي اهتمام فعلي لدى هذه الدول في ظل توقعات شبه حاسمة بنتائجها في اعادة القديم الى قدمه الى حد كبير في حين انه يتوقف على شخص رئيس الجمهورية المقبل ومدى اعتداله وخبرته ومراسه نقل البلد الى مرحلة انتقالية على الاقل بعيدا من المحورية الطاغية التي دفع عون البلد إليها. فمع ان شعارات المواجهة السياسية تأخذ طريقها بقوة الى الخطابات لدى الاحزاب والتيارات على خلفية الحملات الانتخابية في محاولة لكسب شعبية او استعادة اخرى انتهت او ضعفت، فان مراقبين ديبلوماسيين لا يتجاهلون البعد الاحترابي على الصعيد السياسي في هذه الشعارات والتي يخشى الا تنحصر بالانتخابات النيابية فحسب. خلع البطريرك الماروني قفازاته الديبلوماسية ليتحدث على نحو مباشر عن توظيف القضاء ” الذي أصبح في جزء منه أداة في يد السلطة السياسية تستخدمها ضد العدالة. ونتساءل هل نحن أمام مكافحة الفساد أم أمام مكافحة الأخصام السياسيين؟ كيف للسلطة القضائية إلا تحسم بعد مصير التحقيق في تفجير مرفأ بيروت؟ لم نشهد في أي زمن سابق هذا الاضطراب في عمل القضاء وهذه التبعية للمنظومة السياسية، وهذا التردد لدى الهرمية القضائية في وضع حد لهذه الظاهرة الفوضوية” وعلى ” اصلاح قطاع الكهرباء الذي يشكل أكبر مصدر للهدر والفساد ” الى جانب المعاناة من كل المسائل الاخرى والاصرار على انتخاب رئيس قبل شهرين من انتهاء ولاية الرئيس الحالي.
البعد الاحترابي يتخطى الإطار الانتخابي في اتجاه معارك سياسية على موقع الرئاسة الاولى ولكن على خلفية ان الانتخابات ومهما كانت نتائجها وبأكثرية مماثلة للأكثرية السابقة لا تستطيع ان تواصل المسار الانهياري اقتصاديا وسياسيا فيشمل الاحتراب الواقع السياسي أيضا. فوضع ” حزب الله” صار غير مقبول استمراره على ما هو عليه باي صيغة شعارية بعدما تضاءلت نسبة ” المقاومة ” كما انطلق الحزب الى درجة الاضمحلال لمصلحة التدخلات الاقليمية المفتتة للدول العربية او لمصلحة تفكيك لبنان كدولة والهيمنة على الطوائف المكونة له. كما ليست مقبولة كذلك المحورية المرجحة في اتجاه ايران على نحو سيعمق مأساة البلد في اتجاه تحميل الحزب مسؤولية ذلك باعتباره من يحمل حلفاءه لا سيما بعد نهاية العهد العوني علما ان هذا الرفع يشمل حلفاءه الدروز والسنة الى جانب المسيحيين. والاحتراب السياسي يعني ان المشكلة السياسية ستتواصل بعد الانتخابات النيابية فتسابق المأزق الاقتصادي انهيارا تصعيديا فيما يخشى ان ينعكس ذلك امنيا واجتماعيا بقوة كبيرة على رغم ان المسألة الامنية حساسة جدا وهناك اطمئنان الى استمرارها راهنا لكن من دون استبعاد كل الاحتمالات ايضا متى تخطى انهيار العملة اللبنانية سقفا معينة او نضب احتياط المصرف المركزي.
الانطباعات التشاؤمية تتغلب على اصرار البطريرك الراعي على انتخابات رئاسية قبل انتهاء ولاية عون الذي يتطلع بحسب سياسيين الى فراغ في مرحلة انتقالية نيابية طويلة لا تقل عن سنتين من اجل ان يستدرك صهره وضعه خارجيا وداخليا ويلملم شتات الشعبية العونية التي ابتعدت والحضور السياسي المفقود لدى الخارج بحيث يعيد رفع مستوى حظوظه الرئاسية او يضمنها. لا يحتمل البلد المزيد من الانهيار الذي وصل الى درجة التفكك ولكن ديبلوماسيين كثر يخشون ان حال الانكار عميمة ولا إدراك او وعي لمدى التحلل التي باتت عليه المؤسسات. فلا كلام حول الفساد او الهدر او محاسبة المسؤولية عن الانهيار يمكن ان يطغى على الافعال التي تنحو في اتجاه ضمان الاستمرار في الرئاسة الاولى باي شكل من الاشكال كضمان لهدم الانهيار الحزبي والسياسي كذلك.