الاتفاق التجاري بين ترمب والاتحاد الأوروبي: يضحكون على من؟

كتب أنس بن فيصل الحجي في صحيفة إندبندنت عربية.
وصف الرئيس الأميركي دونالد ترمب الاتفاق التجاري الذي جرى الأحد الماضي بأنه “أكبر اتفاق تجاري على الإطلاق”، وهكذا فإن هدف ترمب هو خفض أو إلغاء العجز التجاري مع الاتحاد الأوروبي، إذ إن صادرات الاتحاد الأوروبي للولايات المتحدة أكبر بكثير من واردات الاتحاد الأوروبي من الولايات المتحدة، وترمب يريد زيادة صادرات النفط والغاز المسال إلى الاتحاد الأوروبي لتعديل الميزان التجاري.
وجاء إعلان الاتفاق بعد مفاوضات مكثفة أُجريت في اسكتلندا مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ضمن خطوة أنهت أشهراً من التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، أكبر شريك تجاري لها، ولكن بالنظر إلى تفاصيل الاتفاق نجد أنه يحوي بذور عدم تطبيقه، إذ يتضمن نقاطاً رئيسة عدة تهدف إلى إعادة توازن العلاقات التجارية بين الطرفين، وأهمها فرض الولايات المتحدة ضرائب جمركية مقدارها 15 في المئة على الواردات من الاتحاد الأوروبي، بينما ليس هناك أية ضرائب جمركية على واردات الاتحاد الأوروبي من الولايات المتحدة، ومن وجهة نظر الاتحاد الأوروبي فإن الـ 15 في المئة كضرائب جمركية أفضل بكثير مما هو مفروض حالياً وهو 27.5 في المئة على واردات السيارات، إضافة إلى ضرائب قريبة من ذلك على أشباه الموصلات والأدوية، وكان هناك تهديد من ترمب برفع الضريبة الجمركية إلى 200 في المئة، وبخاصة على الخمور المستوردة من دول الاتحاد الأوروبي.
كما تعهد الاتحاد الأوروبي بشراء معدات عسكرية أميركية بمليارات الدولارات مما يعزز الصناعات الدفاعية الأميركية، واستثمار الشركات الأوروبية بقيمة 600 مليار دولار في الولايات المتحدة خلال ولاية ترمب الثانية، وما يهمنا في هذه المقالة هو تعهد الاتحاد الأوروبي بشراء ما قيمته 250 مليار دولار سنوياً ولمدة ثلاثة أعوام من مصادر الطاقة الأميركية، وهذا يشمل النفط والغاز والفحم والوقود النووي، بحجة خفض الاعتماد على الغاز الروسي، وهذا أدى إلى ارتفاع أسهم شركات الغاز الأميركية بصورة ملاحظة، وكذلك يتضمن شراء مفاعلات نووية معيارية صغيرة.
ما مدى واقعية تطبيق الاتفاق؟
الملاحظ على الاتفاقات التي يعقدها الرئيس ترمب أن الأطراف المختلفة تصر على مدة الأعوام الثلاثة، والسبب هو أن فترة ترمب الرئاسية تنتهي عندها ويأتي رئيس آخر قد يغير كل هذه الاتفاقات، والملاحظ كذلك أن هدفها الأساس هو تهدئة ترمب وعدم التصعيد، فالمشكلة الأولى في اتفاق الأحد أنه جرى مع الاتحاد الأوروبي، ولكن هل تلتزم الدول بما تعهدت به قيادة الاتحاد الأوروبي؟ وهل تلتزم فرنسا مثلاً؟ إذ إنه لا يمكن للاتحاد الأوروبي على الإطلاق أن يستهلك الكميات التي يمكن شراؤها بـ 250 مليار دولار سنوياً، والمثير في الأمر أنه كلما انخفضت أسعار النفط والغاز زادت الكميات ولكن لا يمكن للاتحاد الأوروبي أن يستهلكها، فقد بلغت واردات الاتحاد الأوروبي الطاقية من الولايات المتحدة أقل من 80 مليار دولار خلال العام الماضي، فكيف سترتفع إلى 250 مليار دولار، كما أن ارتفاع الأسعار يعني استيراد كميات أقل، ولكن ترمب لا يريد ارتفاع هذه الأسعار على الإطلاق.
والمشكلة الثانية أنه مع افتراض إمكان أن يستهلك الاتحاد الأوروبي هذه الكميات فليس لدى الولايات المتحدة الكميات الكافية لتصديرها للاتحاد الأوروبي، فنمو إنتاج النفط الأميركي توقف تقريباً بينما محطات الغاز المسال الجديدة لن تبدأ بالتصدير بعد ثلاثة أعوام من الآن، أي بعد المدة المحددة في الاتفاق، ويكفي أن نذكر هنا أن قيمة صادرات الولايات المتحدة من مصادر الطاقة خلال عام 2024 إلى كل دول العالم تقدر بنحو 330 مليار دولار، منها 250 مليار دولار إلى دول خارج الاتحاد الأوروبي.
أما المشكلة الثالثة فهي أن هناك قوانين بيئية لدى الاتحاد الأوروبي سيجري تطبيقها قريباً وستمنع وصول النفط والغاز المسال الأميركيين إلا إذا كانا مطابقين للمواصفات، وفريق الرئيس ترمب لم يركز على هذه النقطة خلال المحادثات، إذ ترتبط هذه النقطة بأمور من أهمها أن اعتدال الطقس في أوروبا يعني انخفاض واردات الطاقة الأميركية.
والمشكلة الرابعة، كما ذكرت سالفاً، أن الاتفاق أبرم مع قيادة الاتحاد الأوروبي ولكن بعض الدول الأعضاء قد لا تلتزم بالمشتريات لأسباب مختلفة، ففرنسا مثلاً تريد تصنيع المفاعلات النووية محلياً بينما العقود الألمانية مع روسيا بخصوص استيراد الغاز المسال طويلة المدة ولا تستطيع إلغاءها من دون غرامات كبيرة.
والمشكلة الخامسة هي موضوع الـ 15 في المئة كضرائب على الواردات من الاتحاد الأوروبي، فمحطات الغاز المسال الجديدة التي تبنى الآن أو ستبنى مستقبلاً في الولايات المتحدة تحتاج إلى مواد من دول الاتحاد الأوروبي، مما يعني ارتفاع كُلفها من جهة، وهذا قد يؤخر عمليات البناء، وهذا يعني أن هدف ترمب في تصدير الغاز المسال قد تلقى ضربتين من ترمب نفسه، ارتفاع الكُلف وتأخير التصدير.
والمشكلة السادسة أنه عندما وعدت بعض الدول الآسيوية ترمب بأنها ستشتري مزيداً من الغاز المسال لتلافي الضرائب الجمركية، قامت بذلك فعلاً ولكنها أرسلت هذه الشحنات إلى أوروبا بسبب عدم زيادة الاستهلاك في آسيا من جهة، وارتفاع أسعار الغاز في أوروبا، وبعبارة أخرى فالكل يتنافس على الغاز والنفط نفسه، ومن ناحية أخرى فيمكن لدول الاتحاد الأوروبي شراء مزيد من الغاز الأميركي مثلاً ثم إرساله إلى دول أخرى مثل مصر أو الكويت أو العراق، لتدعي أنها تشتري من ترمب كما وعدته.
أما المشكلة السابعة هي أن الاتفاق سينتهي عام 2028، وأول إنتاج للمفاعلات النووية الصغيرة سيكون عام 2030 بحسب ما هو مخطط له الآن.
وخلاصة القول فإن ما جرى الاتفاق عليه شيء وما سيحدث على أرض الواقع شيء آخر، فلا الاتحاد الأوروبي قادر على شراء ما وعد به، ولا الولايات المتحدة قادرة على تصدير ما جرى الاتفاق عليه.