رأي

الاتحاد الأوروبي ـ ميثاق جديد للهجرة

نشر المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات تقريراً جاء فيه :

وافق الاتحاد الأوروبي على إصلاحات جذرية لقوانين الهجرة واللجوء، وتوصل وزراء الداخلية إلى اتفاق بشأن ما وصفوه بأنه نهج جديد “تاريخي” منذ أن بدأ عدد اللاجئين الذين يسعون إلى دخول الاتحاد الأوروبي في الارتفاع بشكل كبير في عامي 2015 و 2016. يُلزم الاتفاق الدول الأعضاء بإنشاء مراكز على الحدود الخارجية للتكتل لا سيما على الحدود البرية وفي المطارات للمهاجرين الذين لديهم فرص ضئيلة للحصول على حق اللجوء.

ارتفعت نسبة الدخول غير القانوني إلى الاتحاد الأوروبي عبر وسط البحر المتوسط (300%) منذ بداية 2023. وأفادت الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود “فرونتكس”، في تقريرها إلى أن عدد عمليات الدخول غير القانونية للاتحاد الأوروبي عبر المنطقة الوسطى للبحر الأبيض المتوسط ازداد بين يناير وأبريل 2023، بنسبة تناهز (300%) مقارنة بالفترة نفسها من العام 2022. وأضافت “فرونتكس” إنه مع نحو (42) ألفاً و(200) عملية دخول عبر المنطقة المذكورة خلال الأشهر الأربعة الأولى من 2023، يتم تسجيل “المستوى الأعلى منذ بدأت فرونتكس جمع معطيات العام 2009”.

بذل وزراء داخلية دول الاتحاد الأوروبي محاولات جديدة لبدء إصلاح نظام اللجوء الأوروبي من خلال مسودات للنصوص القانونية التي أعدتها الرئاسة السويدية لمجلس الاتحاد الأوروبي على أساس مقترحات من مفوضية الاتحاد. كان من الواضح أن قواعد اللجوء المعمول بها في الاتحاد الأوروبي على الأقل منذ أزمة اللاجئين في عامي 2015 و2016 بحاجة إلى المراجعة. في ذلك الوقت كانت دول مثل اليونان وإيطاليا غارقة في تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين من دول مثل سوريا وتمكن مئات الآلاف من الانتقال إلى دول الاتحاد الأوروبي الأخرى دون أن يتم تسجيلهم. وهذا ما كان ينبغي أن يحدث في الواقع وفقاً لما يُسمى باتفاقية “دبلن” التي تنص على ضرورة تسجيل طالبي اللجوء في المكان الذي دخلوا فيه الاتحاد الأوروبي لأول مرة، وعادة ما تكون هذه الدولة مسؤولة أيضاً عن طلب لجوء هؤلاء الأشخاص.

توصلت دول الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق يهدف إلى مراجعة نظام استقبال مشترك لطالبي اللجوء النقاط الرئيسية لهذا الاتفاق الذي يكون موضوع المحادثات بهدف اعتماد الإصلاح قبل الانتخابات الأوروبية المقررة عام 2024. تُتخذ القرارات بالغالبية الموصوفة، أي تبني اتفاق تتطلب دعم (15) من أصل الدول الـ(27) دولة تمثل (65%)على الأقل من سكان الاتحاد الأوروبي. وفقًا للاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الدول الأعضاء، يجب توفير (30) ألف مكان في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي في إطار هذا الإجراء، من أجل استيعاب ما يصل إلى (150) ألف مهاجر سنوياً في نهاية المطاف. وتتمكن البلدان التي لا تريد استقبال المهاجرين غير الشرعيين واللاجئين الذين يصلون إلى الاتحاد الأوروبي من مساعدة الدول المستضيفة بالمال، بتقديم نحو (20) ألف يورو عن كل شخص، أو بالمعدات أو الأفراد.

مراكز على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي : يُلزم الاتفاق الدول الأعضاء بإنشاء مراكز على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي (على الحدود البرية وفي المطارات على وجه الخصوص) للمهاجرين الذين لديهم فرصة ضئيلة إحصائياً للحصول على اللجوء. والهدف هو عدم دخولهم أراضي الاتحاد الأوروبي، على أن تخضع طلبات لجوئهم لفحص سريع من أجل تسهيل عودتهم إلى بلدهم الأصلي أو بلد العبور يجب أن يستمر الإجراء، أي فحص الملف والإحالة، ستة أشهر كحد أقصى. بالتزامن مع مخاوف من إن يهدد الإجراء الحدودي المعجل بتكرار مشاهد مأساوية حدثت في الجزر اليونانية قبل عدة سنوات، من خلال إنشاء المزيد من مخيمات المهاجرين المكتظة وغير الملاءمة على أطراف الاتحاد الأوروبي.

الترحيل : يمكن إرجاع طالبي اللجوء المرفوضين من الحدود الخارجية للاتحاد بسرعة إلى بلدانهم الأصلية أو إلى بلد ثالث في المستقبل، ويتعين أن تكون الدول المُرحِّلة أي اليونان وإيطاليا، قادرة على أن تقرر بنفسها ما إذا كان الوضع في الدول التي يتعين الترحيل إليها مناسبة أم لا. سينتهي العمل بالقائمة الموحدة للدول الآمنة التي يقرها الاتحاد الأوروبي وتنطبق على جميع دوله، وتنطبق الإجراءات الجديدة على الأطفال والقصر غير المصحوبين بذويهم.

كانت الحكومة الألمانية تريد ضمان إعفاء القاصرين الذين تقل أعمارهم عن 18 عاما والأسر التي لديها أبناء قُصَّر من هذه الإجراءات، لكنها اضطرت إلى تقبل احتمال أن يكون هذا ممكناً وذلك رغبة منها في إنجاح الاتفاق، ومع ذلك بموجب خطط الإصلاح المتفق عليها، لن يتم إعفاء الأسر من القواعد الجديدة.

التضامن الإلزامي : تعتبر وزيرة الداخلية الألمانية “نانسي فيزر” القرار المتفق عليه في لوكسمبورغ “تاريخياً” ولم يكن سهلاً على الجميع على الرغم من المعارضة الشديدة لـ “التضامن الإلزامي” مع اليونان وإيطاليا وقبرص ومالطا، وهي دول الاتحاد التي يدخلها في البدء معظم طالبي اللجوء ما يثقل كاهلها. ووافقت الوزيرة على إجراءات اللجوء السريع على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، والتي كانت مثيرة للجدل في الائتلاف الحاكم في ألمانيا.

يجري حسب الإجراءات الحدودية الجديدة فرز طالبي اللجوء الذين ليس لديهم فرصة للحصول على الحماية نظرا لأنهم ينحدرون من دول آمنة نسبياً في غضون (12) أسبوعاً كحد أقصى ومن ثم العمل على ترحيلهم. ينطبق هذا الأمر على جميع البلدان التي يقل معدل الاعتراف بلجوء مواطنيها في الاتحاد الأوروبي عن (20%) كباكستان وألبانيا وبعض دول أفريقيا

مخاوف وشكوك حول تطبيق الاتفاق

نددت منظمة “أوكسفام الخيرية” برغبة الاتحاد الأوروبي باحتجاز طالبي اللجوء وخصوصاً الأطفال، في ما يشبه السجون على حدود أوروبا” في 9 يونيو 2023. وكشفت الخبيرة في الهجرة “هيلينا هان” من مركز أبحاث “مركز السياسة الأوروبية” (European Policy Centre) “أن الشكوك تساورها من أن الاتفاق سيجري تطبيقه بسلاسة. لقد رأينا أن الاتفاق قوبل حتى لحظة إقراره بمقاومة من قبل بعض الدول الأعضاء، بما في ذلك بولندا. وتقول الدول المعارضة إن التكاليف باهظة للغاية، لذلك يمكننا توقع مزيد من المعارضة”. فعلى الرغم من المعارضة الشديدة لـ “التضامن الإلزامي” مع اليونان وإيطاليا وقبرص ومالطا، وهي دول الاتحاد التي يدخلها في البدء معظم طالبي اللجوء، إلا أن ألمانيا وافقت على إجراءات اللجوء السريع على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، والتي كانت مثيرة للجدل في الائتلاف الحاكم في برلين.

دافع المستشار الألماني عن الاتفاق الأوروبي على تعديل قواعد اللجوء رغم الشكوك الانتقادات الموجهة للتعديل وقال إنه يجب إنشاء نظام تضامني لتوزيع اللاجئين داخل أوروبا. وشددت المفوضية الأوروبية على أن الإجراءات السريعة له “طابع إنساني أكثر”، لتجنيب المهاجرين البقاء في حالات من عدم اليقين لفترات طويلة.وصفت الاتفاقية بأنها “توازن جيد” بين مبادئ التضامن – لإعادة التوطين – والمسؤولية – وتحمل العبء الأكبر ل دول المواجهة التي يتعين عليها معالجة غالبية طلبات اللجوء.

اليمين المتطرف وملف الهجرة

سجلت أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا ارتفاعاً قياسياً ويرجع ذلك لعدة أسباب اهمها موقف تلك الأحزاب من موضوع الهجرة وتوظيفه سياسياً،. فعلى سبيل المثال أبرز استطلاع للرأي في 12 يونيو 2023 أن نسبة من الألمان صارت منحازة أكثر في الآونة الأخيرة للتصويت لحزب البديل. حيث أكد (65%) ممن شملهم الاستطلاع، أن موقف حزب البديل من أجل ألمانيا الحاسم بشأن الهجرة كان سبب تصويتهم للحزب. وفي فرنسا يغتنم اليمين المتطرف في فرنسا الهجمات الإرهابية للتنديد بـ”الهجرة” وبحسب استطلاع للرأي يؤيد (69%) من الفرنسيين تعديل الدستور لإتاحة عدم التقيد بالقواعد الأوروبية من أجل الحد من الهجرة.

تقييم وقراءة مستقبلية

– انهار نظام اللجوء في أوروبا بعد أن دخل أكثر من مليون شخص معظمهم فروا من مناطق الصراعات وأثقلوا قدرات الاستقبال في اليونان وإيطاليا، مما أثار واحدة من أكبر الأزمات السياسية في الاتحاد الأوروبي.

– حاولت المفوضية الأوروبية اغتنام الفرصة للمضي قدماً في ميثاقها الجديد بشأن الهجرة واللجوء الذي توقف منذ فترة طويلة، وهو اقتراح شامل يهدف إلى تجميع جميع الجوانب المختلفة لسياسة الهجرةظن واستبدال نهج الأزمات الحالي ولحل الخلافات المتزايدة التي تهدد بعرقلة فرصة أوروبا لإصلاح قواعد الهجرة واللجوء

– يمهد هذا الاتفاق الطريق لمفاوضات صعبة مع البرلمان الأوروبي والمفوضية الأوروبية الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي لإدخال قواعد جديدة للإدارة الجماعية لاستقبال وإعادة توطين طالبي اللجوء، مما يضع الاتحاد الأوروبي على المسار الصحيح لوضع اللمسات الأخيرة على الحزمة بأكملها.

– تحاول الدول الأوروبية على المستوى الأساسي معالجة الزيادة في عدد طالبي اللجوء الذين يصل معظمهم إلى الاتحاد الأوروبي على طول شواطئ دول جنوب أوروبا مثل إيطاليا واليونان. والهدف ضمان معالجة طالبي اللجوء هؤلاء واستقرارهم بشكل متساو في جميع أنحاء أوروبا مع تسهيل إعادة الأشخاص الذين تم رفض طلباتهم.

– اكتسبت الأحزاب اليمينية المتطرفة تأييدا في جميع أنحاء أوروبا في بعض البلدان، ولعبت السياسات المتبنية للأفكار المناهضة للهجرة مثل التي نفذتها الحكومات اليمينية في بعض الدول الأوروبية دورا في التأثير على سياسة الهجرة في البلدان الأخرى.

– بات من المتوقع إدخال إجراءات حدودية معجلة لأولئك الذين يُعتقد أنهم ان تقبل طلبات لحوئهم لمنعهم من البقاء داخل الكتلة لسنوات، مما يعني تسهيل عمليات الترحيل. ومن المرجح أن تكون الهجرة مرة أخرى قضية شائكة، وستتزايد الضغوط على الاتحاد الأوروبي مع اقتراب انتخابات يونيو 2024.

ان الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن “رأي سياسي” وإنما تعبر عن رأي صاحبها حصرًا.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى