رأي

الإمارات وسياسة تنويع الشراكات

كتب د. صلاح الغول, في “الخليج” :

تستند السياسة الخارجية الإماراتية إلى مبدئي تنويع الشركاء والتوازن في التفاعلات مع الشركاء المختلفين. وينبع تنويع الشركاء من كون دولة الإمارات ترتبط بمصالح مختلفة مع دول متنوعة، ومع تمدد هذه المصالح وتوسع تجارتها الخارجية، تزداد الحاجة إلى شركاء جدد.

ويُلاحظ أن مبدأ تنويع الشركاء هو مبدأ شامل؛ لا يقتصر فقط على المجال الاقتصادي، وإنما يشمل أيضاً المجالات السياسية والأمنية والتنموية، ويستهدف تأمين درجة كبيرة من الاستقلالية للسياسة الاقتصادية والخارجية الإماراتية. كما يُلاحظ أن التوازن الذي تتبعه دولة الإمارات تجاه القوى الكبرى، لاسيما المتنافسة منها، هو عملية سياسية دقيقة، تتضمن كافة الفاعلين الدوليين والقضايا محل التفاعل أيضاً.

وفي هذا الخصوص، أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، في أول خطاب له بعيد اختياره رئيساً للدولة، أن هدف السياسة الخارجية الإماراتية وتوجهها في المرحلة المقبلة يتمثل في «إقامة شراكات استراتيجية نوعية مع مختلف الدول».

وتتعدد الشراكات الاستراتيجية والاقتصادية التي تنخرط فيها دولة الإمارات داخل الإقليم وخارجه. ولعل توقيع الإمارات مذكرة تفاهم عن الممر الاقتصادي الدولي من الهند إلى أوروبا عبر الخليج العربي على هامشها، مع الولايات المتحدة والهند والسعودية والاتحاد الأوروبي، في سبتمبر/أيلول 2023، ثم توقيعها مذكرة تفاهم رباعية مع العراق وتركيا وقطر للتعاون في مشروع طريق التنمية الاستراتيجي، في أواخر إبريل/نيسان المنصرم، يُترجم عملياً أهم مبادئ السياسة الخارجية الإماراتية، وأقصد مبدئي تنويع الشركاء والتوازن في التفاعلات مع الشركاء المختلفين.

ويهدف مشروع الممر الاقتصادي الدولي إلى ربط الهند بأوروبا عبر دول الشرق الأوسط؛ ما يساعد على تدفق التجارة وتعزيز التكامل الاقتصادي بين هذه المناطق، عن طريق تقليص أوقات وتكاليف الشحن واستخدام الوقود، والإسهام في ضمان أمن الطاقة العالمي. ويتألف المشروع من ممرين منفصلين هما الممر الشرقي الذي يربط الهند بدول الخليج (الإمارات والسعودية) عبر بحر العرب، والممر الشمالي الذي يربط الخليج بأوروبا، عبر خطوط سكك حديدية تخترق الإمارات، ثم السعودية والأردن، ومنها إلى إسرائيل، ليصل، عبر موانئها على البحر المتوسط، إلى إيطاليا وفرنسا ثم ألمانيا. وهناك مسار آخر من السعودية إلى العراق ثم تركيا ثم أوروبا. علاوة على ذلك، يضم المشروع مد خطوط أنابيب لتصدير الكهرباء والهيدروجين الأخضر، وكابلات لنقل البيانات.

أما مشروع «طريق التنمية بين العراق وتركيا وأوروبا»، الذي تم الكشف عنه في اجتماع دولي عقد في بغداد العام الماضي، فيهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي بين أطرافه في مختلف القطاعات مثل الطاقة والتجارة والسياحة والخدمات اللوجستية، وتعزيز التنمية الإقليمية عن طريق زيادة التبادل التجاري وتيسير انتقال عوامل الإنتاج، والإسهام في الاستقرار الإقليمي من خلال تعزيز التنمية الاقتصادية في المناطق الحدودية بين العراق وتركيا. وتبلغ كلفة المشروع 17 مليار دولار، ويتكون من ثلاث مراحل، تكتمل جميعها في 2050، ويشمل إنشاء 1200 كيلومتر من السكك الحديدية والطرق السريعة، إضافة إلى نقل الطاقة، وخط للاتصالات.

ويبدأ المشروع من ميناء الفاو الكبير بجنوب العراق، ويربط الخليج العربي بأوروبا عبر تركيا، ما يختصر طريق البحر الأحمر. ويجذب المشروع اهتمام الصين كمستثمر، وهو ذو طبيعة مكملة لجميع هذه الممرات، بما في ذلك «الممر الأوسط» لمبادرة الحزام والطريق والممر الاقتصادي الدولي سابق الإشارة إليه. ويعتمد نجاح مشروع «طريق التنمية» على تحقيق الاستقرار السياسي، وتوفير التمويل، والعمل بشكل جماعي، وتوفير الضمانات الأمنية.

وإذا تم تنفيذ طريق التنمية، فإنه سوف يغير قواعد اللعبة بالنسبة للعراق عن طريق تقليل اعتماده على كل من الولايات المتحدة وإيران. وستتعاون تركيا مع بغداد لتأمين الطريق البرية والسكك الحديدية، داخل العراق، والاستثمار في البنية التحتية العراقية. ومن ناحيتها، توفر دولة الإمارات وقطر والمملكة العربية السعودية تمويلاً بقيمة 5 مليارات دولار للمرحلة الأولى من المشروع. وبعد زيارة أمير الكويت الشيخ مشعل الجابر الصباح إلى أنقرة هذا الشهر، ثمة احتمالات مرتفعة لانضمام الكويت إلى المشروع، وأن يصبح ميناء مبارك، جنباً إلى جنب مع ميناء الفاو الكبير، نقطة انطلاق «طريق التنمية». وعند اكتمال المشروع، سوف يُسهم في تسهيل تجارة السلع وحركة الأشخاص بطريقة آمنة وسريعة؛ ما يؤثر بشكل إيجابي في التنمية طويلة المدى في المنطقة.

والخلاصة أنه يمكن اعتبار «مشروع طريق التنمية» بمنزلة خطوة استراتيجية لدولة الإمارات لتنويع شراكاتها الاقتصادية وتعزيز علاقاتها الإقليمية، وترجمةً واقعية لمبدأ التوازن الذي تتابعه في سياستها الخارجية، لاسيما تجاه القوى الدولية المتنافسة (الصين والولايات المتحدة) والقوى الإقليمية المتباينة، وخاصة العراق وإيران وتركيا.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى