رأي

الإمارات والمغرب وآفاق الشراكة الراسخة

كتب إدريس لكريني في صحيفة الخليج.

تمتد العلاقات المغربية – الإماراتية إلى أكثر من نصف قرن من التواصل، وقد حرص الراحلان، الملك الحسن الثاني، والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراهما، على تمتينها وتعميقها، من خلال اعتماد مجموعة من المبادرات التي طالت عدداً من القطاعات الاقتصادية والدبلوماسية والأمنية والثقافية، حيث تم إحداث اللجنة المشتركة بين البلدين في عام 1985، التي تمكنت من عقد مجموعة من الدورات وأثمرت مجموعة من الاتفاقيات الهامة.

لم تتوقف هذه العلاقات عن التطور، وبفضل الجهود التي يبذلها الملك محمد السادس ملك المملكة المغربية، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات «حفظه الله»، تمكّن البلدان معاً، وبإرادة قوية، من إرساء علاقات نموذجية مبنية على تبادل المصالح، وتناغم المواقف إزاء عدد من القضايا، الإقليمية والدولية، ما جعلها تشهد نمواً مطرداً في عدد من الميادين، ما يمثل تجربة إقليمية نموذجية وواعدة.

لقد شهدت العلاقات الاقتصادية تطوراً كبيراً بين الجانبين، وطالت المبادلات التجارية عدداً من المواد والسلع المصنعة، والمعدنية، والطاقية، والزراعية، وبفضل هذه الدينامية أضحت دولة الإمارات العربية المتحدة بمثابة المستثمر العربي الأول والثاني، على الصعيد الدولي بالمغرب، حيث انخرطت في عدد من المشاريع التنموية في قطاعات الطاقة والسياحة والاتصالات والعقار والبنى التحتية.. وقد اتفق البلدان في أعقاب اجتماعات الدورة الأولى للجنة الاقتصادية المشتركة عام 2023 على مضاعفة العلاقات التجارية والاستثمارية بينهما.

ورغبة في تعزيز هذه العلاقات وتطويرها، قام الملك محمد السادس بزيارة رسمية إلى دولة الإمارات، تلبية لدعوة من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وهي الزيارة التي تمت في ظرفية إقليمية صعبة، تفرض تنسيق المواقف وتكثيف الجهود، كما تزامنت أيضاً مع احتضان دولة الإمارات لمؤتمر (Cop 28) الذي تم الإعلان خلاله عن تنفيذ إنشاء صندوق تكاليف الأضرار الناجمة عن التغيّرات المناخية.

وقد توجت هذه الزيارة بالإعلان عن شراكة «مبتكرة وراسخة»، كفيلة بإعطاء دفعة قوية للعلاقات، بما يستجيب لتطلعات وطموحات البلدين وشعبيهما. وفي هذا السياق، تم تبادل مذكرات تفاهم بصدد تطوير هذه العلاقات في عدد من المجالات، كما هو الشأن في قطاعات النقل والطاقة والبنى التحتية، والماء، والمعادن، والفلاحة والصيد البحري، والموانئ، والسياحة والعقار، وسوق الرساميل، وتخزين المعلومات..

كما شكلت الزيارة، مناسبة لتبادل الرأي بصدد الكثير من القضايا، الإقليمية والدولية، وعلى رأسها التطورات التي تشهدها الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث تم التأكيد على ضرورة تكثيف الجهود لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وتوفير الحماية للمدنيين، وضمان وصول المساعدات إليهم، إضافة إلى بلورة «أفق واضح للسلام الدائم والشامل» يتأسس على «حل الدولتين»، بما يضمن الاستقرار والأمن لشعوب المنطقة.

ويوفّر التراكم التاريخي للعلاقات المغربية – الإماراتية على امتداد عدة عقود من التعاون، وواقعها المتصل بتشبيك المصالح ومجالات التنسيق، فرصاً عدة لتطوير هذه العلاقات، وإعطائها طابعاً من الاستدامة التي تتجاوز منطق البعد الجغرافي.

ولا تخفى أهمية تطوير هذه العلاقات في تعزيز التواصل بين البلدان العربية، وإعطاء دينامية للعمل العربي المشترك، بما يسهم في تجاوز التردي الذي يشهده النظام الإقليمي بكل عناصره، الاقتصادية والأمنية والسياسية، خصوصاً أن البلدين تجمعهما الكثير من القواسم المشتركة، فعلاوة على علاقة المغرب الجيدة مع الدول الخليجية، بشكل عام، وعن عضوية البلدين (المغرب والإمارات) داخل جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، فهما بلدان منفتحان، يتبنيان سياسة خارجية معتدلة، تقوم على احترام مبادئ القانون الدولي، كما أنهما منخرطان بشكل جدي في الجهود الدولية لإرساء السلام ومكافحة الإرهاب.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى