الإمارات والمغرب.. شراكة بلا حدود

كتب د. سالم الكتبي, في العرب:
الشراكة التي بدأت بخطوات ثابتة وأخوية عميقة وصريحة في السبعينات تطورت لتصبح نموذجاً يُحتذى به في التعاون العربي، إنها شراكة قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح الإستراتيجية المشتركة للبلدين الشقيقين.
عندما نتحدث عن العلاقات الإماراتية – المغربية فإننا نتحدث عن علاقة أخوية حقيقية وشراكة بين شعبين عربيين، وقصة تجاوزت المسافات الجغرافية لتصبح مثالاً يُحتذى به في التعاون الأخوي. إن هذه الشراكة، التي امتدت لأكثر من خمسة عقود، لم تكن مجرد علاقات دبلوماسية تقليدية، بل كانت رحلة طويلة من التفاهم المتبادل والدعم المستمر. والحقيقة الواضحة للعيان التي تفرض نفسها على كل متابع للشأن العربي أن العلاقات الإماراتية – المغربية تقدم نموذجاً فريداً للتعاون بين دولتين عربيتين، نموذجاً يتجاوز التحالفات التقليدية ليصل إلى مستوى التمازج والشراكة الحقيقية.
تمتد جذور العلاقات الإماراتية – المغربية إلى أعماق التاريخ، حيث تعود العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين البلدين إلى عام 1972 في عهد الملك الحسن الثاني والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراهما ورحمهما رحمة واسعة، لقد كان المغرب من أوائل الدول التي دعمت قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، ما أرسى أسساً قوية للثقة المتبادلة والتعاون البناء. هذه البدايات المبكرة للعلاقات تجسد رؤية بعيدة المدى لقادة البلدين، الذين أدركوا أهمية التعاون العربي في بناء مستقبل أفضل للمنطقة.
إن الشيخ زايد، بحكمته المعهودة، والملك الحسن الثاني، بنظرته الثاقبة، وضعا اللبنات الأولى لشراكة إستراتيجية تتجاوز الحدود الجغرافية لتشمل القيم المشتركة والمصالح المتبادلة.
◄ الحقيقة الواضحة التي تفرض نفسها على كل متابع للشأن العربي أن العلاقات الإماراتية – المغربية تقدم نموذجاً فريداً للتعاون بين دولتين عربيتين يتجاوز التحالفات التقليدية ليصل إلى مستوى التمازج والشراكة الحقيقية
إن العلاقة بين القيادتين الحكيمتين تمثل نموذجاً فريداً في العمق والمتانة، فهي علاقة مبنية على أساس قوي وضعه الملك الحسن الثاني رحمه الله والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، وسارت عليه القيادات المتعاقبة إلى الآن، حيث أن هذا الإرث العريق تعززه اليوم علاقة استثنائية بين الملك محمد السادس والشيخ محمد بن زايد آل نهيان، علاقة مدعومة بالثقة المتبادلة والتفاهم العميق والاحترام الذي لا تشوبه شائبة. وهذه الروابط الأخوية الصادقة نراها وتتجلى في المواقف الرسمية المتوافقة والزيارات المتبادلة التي تؤكد عمق التنسيق بين البلدين، وتعكس رؤية مشتركة لمستقبل المنطقة العربية قائمة على التعاون والازدهار المتبادل.
ما يميز هذا التنسيق أنه يقوم على التفاهم العميق والرؤية المشتركة لمستقبل المنطقة، فكلا البلدين يدرك أهمية الوحدة العربية والعمل المشترك، ويترجم هذا الإدراك إلى مواقف متوازنة وحكيمة تخدم المصالح العربية العليا. هذا التناغم في المواقف يعكس عمق الشراكة ونضج العلاقة بين القيادتين.
ولعل أبرز تجليات هذا الدعم السياسي المتبادل يتمثل في الموقف الإماراتي الداعم للمغرب في ملف الصحراء المغربية، حيث افتتحت الإمارات قنصليتها في مدينة العيون عام 2020 في شكل خطوة مهمة ومعبّرة عن الاعتراف الإماراتي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، مؤكدة أن هذا الموقف لم يكن مجرد قرار دبلوماسي، بل رسالة واضحة للمجتمع الدولي حول وحدة الموقف العربي من هذه القضية المحورية، وقد عبّر المسؤولون المغاربة عن تقديرهم العميق لهذا الموقف الأخوي، الذي يجسد مبادئ التضامن العربي والدعم المتبادل في القضايا المصيرية.
ومن جانب آخر حيث الشراكة الاقتصادية بين البلدين تحكي قصة نجاح مثيرة للإعجاب، فعلى مدار السنوات الماضية، شهدنا تدفقاً مستمراً للاستثمارات الإماراتية نحو المغرب، والتي لم تقتصر على قطاع واحد، بل شملت مجالات متنوعة مثل الطاقة المتجددة والسياحة والعقارات والتكنولوجيا. هذه الاستثمارات، لم تكن مجرد أرقام على الورق، بل ترجمت إلى مشاريع حقيقية على أرض الواقع، خلقت الآلاف من فرص العمل وساهمت في تطوير البنية التحتية المغربية، حيث بلغت قيمة الاستثمارات الإماراتية في المغرب نحو 30 مليار دولار، موزعة على أكثر من عشرين شركة ومؤسسة، وهو رقم ضخم بلا شك، لكن الأهم من الرقم هو طبيعة هذه الاستثمارات ومجالاتها.
لا شك أيضا أن البُعد الثقافي للعلاقات الإماراتية – المغربية يُضفي عليها طابعاً خاصاً وعمقاً إضافياً، فالبلدان يتشاركان تراثاً إسلامياً وعربياً عريقاً، وهو ما يُسهل عملية التواصل والتفاهم بين الشعبين، والجالية المغربية في الإمارات، والتي تضم عشرات الآلاف، تلعب دوراً مهماً في تعزيز هذه الروابط الثقافية، فهي تُمثل جسراً حياً بين البلدين.
◄ الشيخ زايد، بحكمته المعهودة، والملك الحسن الثاني، بنظرته الثاقبة، وضعا اللبنات الأولى لشراكة إستراتيجية تتجاوز الحدود الجغرافية لتشمل القيم المشتركة والمصالح المتبادلة
ومن جهة أخرى، يحظى الإماراتيون الذين يزورون المغرب بترحاب استثنائي يعكس الضيافة العربية الأصيلة، وهناك قصص كثيرة تُروى عن زوار إماراتيين وجدوا أنفسهم ضيوفاً في بيوت مغربية لمجرد أن أصحابها علموا بجنسيتهم، هذا المستوى من الدفء الإنساني نادر في عالم اليوم.
ولا ننسى قوة الترابط الأسري أيضا من الزيجات المباركة بين الإماراتيين والمغاربة التي تضيف بُعداً آخر للعلاقة، كون هذه الأسر تربي أجيالاً تحمل هوية ترابطية عميقة، تجمع بين المغرب والإمارات، وتشكل جسوراً حية بين الثقافتين.
أما بالنسبة إلى التبادل الثقافي بين البلدين فيشمل مجالات متعددة، من المهرجانات الفنية إلى البرامج التعليمية، ومن المعارض التراثية إلى الفعاليات الرياضية، حيث أن هذا التنوع في أشكال التعاون الثقافي يُظهر عمق العلاقة وثراءها، ويُساهم في تعزيز الفهم المتبادل بين الشعبين.
الحقيقة التي نؤكد عليها أن العلاقات الإماراتية – المغربية تُمثل قصة نجاح حقيقية في عالم مليء بالتحديات والصراعات، هذه الحقيقة المجردة والموضوعية تُظهر أن التعاون الأخوي الصادق بين الدول العربية ليس مجرد حلم، بل واقع يمكن تحقيقه بالإرادة الصادقة والعمل الجاد، والعلاقات بين الإمارات والمغرب تُثبت أن الأخوّة العربية قادرة على تجاوز كل العقبات وبناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
هذه الشراكة، التي بدأت بخطوات ثابتة وأخوية عميقة وصريحة في السبعينات، تطورت لتصبح نموذجاً يُحتذى به في التعاون العربي، إنها شراكة قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح الإستراتيجية المشتركة للبلدين الشقيقين، وتسعى دائماً نحو آفاق جديدة من التعاون والتكامل، ولتكون العلاقات الإماراتية – المغربية كمنارة أمل تُضيء طريق الآخرين.