الإمارات.. واستراتيجية التوجه شرقاً
كتب محمد السعيد إدريس في صحيفة الخليج.
الجولة الآسيوية التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات إلى كل من كوريا الجنوبية والصين الشعبية الأسبوع الماضي (29- 31 مايو/ آيار الفائت) رغم أنها حظيت باهتمام شديد من منظور مدلولاتها الاقتصادية سواء بالنسبة لدولة الإمارات أو لكل من كوريا الجنوبية والصين، إلا أن مدلولاتها الاستراتيجية تفوق بمراحل تلك الأهمية الاقتصادية، حيث إن منطقة جنوب شرق آسيا وفي القلب منها كوريا الجنوبية والصين تُعد المحور المستقبلي للصراع الاستراتيجي العالمي بين الولايات المتحدة وحلفائها وضمن تحالف يسعى إلى الحفاظ على النظام الأحادي القطبية بزعامته الأمريكية، وبين كل من الصين وروسيا الساعيتين إلى إسقاط ذلك النظام الأحادي القطبية باعتباره نظاماً أضحى منبوذاً عالمياً لتكريسه الهيمنة الأمريكية على العالم، وسعيه لفرض السيادة والحضارة الغربية على ما عداها من حضارات عالمية، والعمل من أجل استبداله بنظام عالمي جديد متعدد الأقطاب أكثر عدالة، وتحظى فيه حضارات الشرق بمكانتها العالمية التي تستحقها.
من هنا بالتحديد تكتسب الجولة الآسيوية لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد أهميتها الفائقة لدولتين تعتبران في قلب ذلك الصراع الاستراتيجي العالمي المستقبلي: لكوريا الجنوبية أولاً وهي واحدة من أبرز «النمور الاقتصادية» الآسيوية الكبرى، والتي هي أيضاً طرف أساسي في التحالف الاستراتيجي الآسيوي الذي تؤسس له الولايات المتحدة في ما يعرف ب «منطقة الاندوباسيفيك» ويضم مع كوريا الجنوبية اليابان واستراليا إضافة إلى كل من الولايات وبريطانيا. وللصين ثانياً. فالصين لم تعد توصف فقط بأنها «مصنع العالم» أو أنها الاقتصادي الثاني فيه، ومالكة «ثورة تكنولوجية» هائلة ومتسارعة، أو لقدرتها العسكرية المتصاعدة، بل أيضاً لأن «طرقات الحرير الجديدة»، التي هي المشروع الاستراتيجي للصين، لم تعد مجرد مشروع اقتصادي، بل أضحت، من المنظور الأمريكي، استراتيجية صينية لإعادة تشكيل النظام العالمي، وهي لذلك، وفقاً لتعبير وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن هي «البلد الوحيد الذي يسعى إلى إعادة تشكيل النظام الدولي، ولديه القدرة العسكرية والتكنولوجية والدبلوماسية لتحقيق ذلك».
فالتوجّه الإماراتي شرقاً نحو منطقة آسيا – الهادي وبالتحديد نحو كل من كوريا الجنوبية والصين له دلالة قوية على جدية التزام الإمارات باستراتيجية التوازن في العلاقات الدبلوماسية بين الغرب والشرق، وهو توجُّه يكسب الإمارات وزناً دولياً مهمّاً ويحرر قرار السياسة الخارجية الإمارات من اعتبارات الانحياز للغرب أو للشرق ويكسب الدبلوماسية الإماراتية مصداقية عالمية اختبرت عشرات المرات كان من أبرزها نجاح الإمارات في موازنة موقفها إزاء الصراع في أوكرانيا بين روسيا والغرب.
إضافة إلى هذه الاعتبارات المهمة، فإن جولة رئيس دولة الإمارات إلى كل من كوريا الجنوبية والصين تنبع من التزام بالمصالح الوطنية للإمارات. فللإمارات مصالح قوية اقتصادية وثقافية وسياسية مع البلدين. ففي زيارته لكوريا الجنوبية بدعوة رسمية من رئيسها «يون سوك يول» استهدف صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد تطوير العلاقات مع كوريا الجنوبية في المجالات كافة، وهي العلاقة التي تمتد إلى 40 عاماً مضت منذ تأسيسها عام 1980 عندما افتتحت كوريا الجنوبية سفارتها في أبوظبي، حتى وصلت إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية عام 2009، وبعد التوقيع على اتفاقية بناء مفاعل «براكة» للطاقة النووية السلمية الذي اكتمل بناؤه. كما أن هذه الزيارة جاءت لتكمل ما استهدفته زيارة الرئيس الكوري الجنوبي السابق «مون جيه إن» للإمارات في مارس / آذار 2018، وبالأخص رفع العلاقات بين البلدين إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية الخاصة»، على نحو ما تحقق في هذه الزيارة وما تم التوقيع عليه من اتفاقيات في مجالات متعددة بين البلدين.
أما زيارة رئيس الدولة للصين التي أعقبت زيارته لكوريا الجنوبية والتي تزامنت، بل وتوافقت مع اجتماعات الدورة العاشرة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي- الصيني بحضور الرئيس الصيني شي جين بينغ وعدد من قادة الدول العربية ضمن زيارة ذات أبعاد استراتيجية واقتصادية على المستويين الإماراتي والعربي وعلى الأخص منذ تأسيس «منتدى التعاون الصيني العربي» عام 2004، وبتحديد أكثر منذ انطلاقة خطة «الحزام والطريق» الصينية عام 2013 التي تأتي الإمارات ودول عربية أخرى في محور اهتماماتها، خاصة مع دعم الصين لضم الإمارات ومصر والسعودية إلى مجموعة «بريكس» في العام الماضي؛ فالاجتماعات التي أجراها الشيخ محمد بن زايد مع كل من الرئيس الصيني شي جين بينغ ومع رئيس مجلس الدولة في الصين لي تشيانغ استهدفت تعميق العلاقات بين البلدين على كافة المستويات ودعم أهداف «منتدى التعاون الصيني – العربي»، حيث تمت صياغة خطة مشتركة للتعاون في بناء «الحزام والطريق»، وتأسيس لجنة عليا للتعاون الاستثماري ودعم التعاون في مجالات الإعلام والاستخدام السلمي للطاقة النووية والتعاون التكنولوجي، فضلاً عن دعم مسيرة التعايش والتسامح الحضارية التي تنهض بمسيرتها الإمارات، ضمن أولوياتها بالتوجُّه شرقاً.