الإمارات وإيطاليا.. أسبوع من الشراكات الفاعلة

كتب بدر جعفر, في الخليج:
أدّيت الأسبوع الماضي زيارة عمل إلى روما وميلانو. انبثقت هذه الزيارة من المهمة الموكلة إلي بصفتي المبعوث الخاص لشؤون الأعمال والأعمال الخيرية: أن أفتح مجالات تطبيقية وعملية، تُهَيّئ فرص التعاون بين مؤسسات قطاع الأعمال في دولة الإمارات ومجموعة واسعة من الشركاء الاستراتيجيين في أوروبا وآسيا والأمريكتين. وكانت إيطاليا إحدى هذه المحطات لما تمتاز به من مقومات وإمكانات داعمة ومتلائمة مع تطلعاتنا الوطنية، وانطلاقاً من الزخم الذي تولّد في وقت سابق هذا العام مع الزيارة الرسمية التي أجراها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله إلى إيطاليا، التي أكّدت عزم الإمارات على ترجمة النوايا الحسنة إلى نتائج ملموسة، بما في ذلك التزام باستثمار 40 مليار دولار أمريكي في قطاعات حيوية.
عشراتُ الاجتماعاتِ المُكثَّفة في غضون أيام، اجتَمَعْتُ فيها مع شخصياتٍ بارزة ومؤثرة لتداول مواضيع مختلفة مهمة مثل الصناعات المتقدمة، والقطاع المالي، والبنية التحتية الرقمية والذكاء الاصطناعي، ومبادرات التدريب التخصصي، والصحة وعلوم الحياة. ونظّمنا كذلك حلقة نقاش جمعت نخبة من المؤسسات الخيرية الإيطالية ومؤسسات العمل الخيري المؤسسي، من أجل تصميم مبادرتَيْن تجريبيتين لدعم الشباب وتنمية المهارات، وتعزيز مرونة النظم الصحية. وركزنا في برنامجنا أيضاً على التعاون في الميادين الثقافية والتعليمية عن طريق مبادرات حيوية مثل المعارض المشتركة وبرامج التدريب التخصصي وبرامج التبادل الجامعي التي تمد جسور التعاون بين مجتمعاتنا الإبداعية والأكاديمية.
ولعل أهم ما في هذه المبادرات والمهمات الرسمية المخرجات التي يحصد الوطن ثمارها وتقدم فرص النمو لشبابنا وروادنا وأعمالنا ومشاريعنا، ولطلابنا وباحثينا، ومؤسساتنا الثقافية وأعمالنا الخيرية، ومجتمعنا بجميع فئاته. وتصب هذه الزيارة مباشرة في الأجندة الوطنية لدولة الإمارات التي تركز على التنويع الاقتصادي والابتكار والشراكات العالمية. لا يغيب عنا التنوع الواضح والمدروس الذي حققه اقتصادنا، إذ باتت القطاعات غير النفطية تشكل ثلاثة أرباع الناتج المحلي، تدعمها الخدمات اللوجستية والتمويل والتكنولوجيا والسياحة والصناعات التحويلية المتقدمة وعلوم الحياة والصناعات الإبداعية. كما كثّفت الدولة استثمارها في الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية الرقمية المتقدمة، من المؤسسات البحثية ومسارات تطوير المواهب، إلى القدرات الرقمية المطلوبة في العمل اليوم وغداً. ويتناسب عمق الصناعات في إيطاليا والتميز الهندسي مع ما توفره المنصات الإماراتية المواتية للتبني الرقمي السريع والتوسع الإقليمي. وعندما تُجمَع هذه القدرات وتوضَع على المسار الصحيح، تَنتقل الأفكار الواعدة بسرعة من التجارب إلى التنفيذ، وتعود بالنفع والفائدة على الجهتين.
لكن المهم في هذا كله إدراك أن منهجية التنفيذ لا تقل أهمية عن الهدف المنشود. كانت هذه الفكرة بوصلتنا في التخطيط للزيارة وتنفيذها في أسبوع. التزمنا بمعيار محدد: حواراتٌ هادفةٌ تؤدي إلى تحديد محاور التركيز، ورسم خطط عمل واضحة، وتحديد إنجازات سريعة ناجعة. بالنتيجة، مهّدت بعض الاجتماعات لشراكات جديدة، وحرّكت بعض المداولات أعمالاً قائمة مسبقاً. في مجال العمل الخيري مثلاً، اتفق الشركاء على إعداد برامج قابلة للقياس يمكن تصميمها خلال 90 يوماً وتنفيذها وفق أطر حوكمة واضحة. وفي التكنولوجيا والطاقة، قارنت الجهات المشاركة الخطط الموضوعة وحددت مجالات معيّنة تلتقي فيها الإمكانيات الإيطالية مع قدرات التوسع الإماراتي، سواء في تحديث الشبكات وتخزين الطاقة، أو دمج الطاقة النظيفة، أو الصناعة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، أو الابتكار في الصحة.
لقد أصبحت نتائج مثل هذه الزيارات الدولية تؤثر الآن أيضاً في القطاع الخاص والمجتمع المدني ومؤسسات المعرفة في دولة الإمارات، فهي تُشجع الجهات المحلية على الإسهام بفعالية في المشاركات الدولية، وتفتح المجال لشركاتنا الصغيرة والمتوسطة للانخراط في سلاسل توريد جديدة وفرص الابتكار المشترك، غير أنها تتيح لجامعاتنا ومراكزنا البحثية التعاون في تنفيذ مشاريع تطبيقية، وتُهيئ لمنصاتنا الفنية والثقافية سبلاً أوسع لتعزيز الروابط بين الشعوب وتقوية الشراكات التجارية. ومن أبرز نتائج هذه المبادرات أنها تتيح لقطاعنا الخيري الحافل بالعمل الإنساني والتنموي، أن يغدو شريكاً في هندسة التغيير وخدمة المعوزين.
وفي كل شراكةٍ دوليةٍ نخوضها، تحرص الإمارات على أن تكون طرفاً موثوقاً وبنّاءً، تتحرك بسرعة، وتتواصل بوضوح، وتدأب على الإنجاز بلا توانٍ، انطلاقاً من «اعقِلْها وتوكَّل»، الطموحُ نواةُ العمل، والسعي والمثابرة محركاته.
ثلاثةٌ هي ركائز مسيرةِ اقتصادنا: تنويعٌ وانفتاحٌ وشراكات. ومع استمرارنا في مواءمة ديناميكية دولة الإمارات ومنصاتها مع الإمكانات الدولية الداعمة لتقدمنا، سنخلق فرصاً جديدة لشعبنا ونُحقق قيماً اجتماعية أوسع. وهذا ما يجعل دولاً مثل إيطاليا مهمة لنا جميعاً هنا في ربوع الوطن، وما يدفعنا لمواصلة هذا التعاون مع طيف أوسع من الدول الشريكة خلال الأشهر المقبلة.