كتب محمد خليفة في صحيفة الخليج.
يسعى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، إلى السير بدولة الإمارات إلى العالمية من خلال منجزات تاريخية وسياسية واقتصادية في منظومة لا تعرف التوقف، صعوداً بالوطن إلى القمة في أزمنة قياسية.
لقد جاءت زيارة صاحب السمو رئيس الدولة إلى الولايات المتحدة، لتشكل منعطفاً جديداً في العلاقات بين الدولتين الصديقتين، وترسم ملامح جديدة لتوسيع آفاق التعاون الثنائي في مختلف الميادين، خصوصاً أنها جاءت في ظروف إقليمية ودولية معقدة. كما تجسد الزيارة نهج دولة الإمارات العربية المتحدة في تعزيز سبل الحوار، وبناء علاقات فاعلة ومتوازنة لتعزيز الاستقرار والسلام الدوليين. وقد التقى صاحب السمو رئيس الدولة بالرئيس جو بايدن ونائبته كامالا هاريس. وبحث الطرفان عدداً من المسائل الثنائية والإقليمية، بما في ذلك الجهود الرامية إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي والحد من التوترات، وتعميق التعاون بين الدولتين في مجالات التكنولوجيا المتقدمة، والذكاء الاصطناعي، واستكشاف الفضاء، والأمن، والدفاع.
وتأتي هذه الزيارة في وقت يشتد فيه التوتر وعدم الاستقرار في مختلف أنحاء العالم، حيث تتطلب الوقائع المستجدّة المزيد من التباحث بين الدولتين، للاتفاق على قواسم مشتركة تسهم في تهدئة الصراع، ومنع الانزلاق نحو حرب إقليمية وربما دولية شاملة.
فالولايات المتحدة قوة عالمية كبرى، ولها مصالح في مختلف مناطق العالم ومنها المنطقة العربية، ودولة الإمارات العربية المتحدة قوة إقليمية كبرى في المنطقة، ولها أدوار سياسية واستراتيجية تقوم بها، وعلاقات واسعة مع مختلف بلاد العالم. وقد تلاقت رؤى الدولتين تجاه مختلف القضايا بما يخدم الأمن الإقليمي والعالمي، ويعزز الاستقرار ويحقق الازدهار في المنطقة والعالم.
ومنذ تأسيس العلاقات الإماراتية -الأمريكية قبل خمسة عقود، كان التلاقي والتعاون هو الطابع الذي يطبع تلك العلاقات، وقد تعددت وتنوعت أوجه التعاون بين الدولتين، وشهدت العلاقات الاقتصادية تطوراً كبيراً، وأصبحت دولة الإمارات الشريك التجاري الأول عربياً للولايات المتحدة، وبلغت الاستثمارات الإماراتية في الولايات المتحدة تريليون دولار، وهي تركز على النقل والأنشطة التجارية وتكنولوجيا المعلومات والعقارات والأغذية والفضاء. وقد حققت التجارة الخارجية غير النفطية بين الدولتين نمواً بنسبة عشرين في المئة لتصل إلى 31 مليار دولار في العام الماضي. وتتعاون الدولتان في مجال المناخ، وتتخذان إجراءات مشتركة، بما يتماشى مع أهدافهما في الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050. وتتفق الدولتان على أن أسرع المسارات وأكثرها موثوقية لتحقيق صافي انبعاثات صفرية تتطلب تسريع الاستثمار في تكنولوجيا وموارد الطاقة النظيفة.
وقد أنشأت دولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة برنامج الشراكة من أجل الطاقة لتسريع التحول في مجال الطاقة وخلق الفرص الاقتصادية. وسيعمل البرنامج على تحفيز مئة مليار دولار من الاستثمار التجاري والدعم عبر أربعة مجالات ذات أولوية، هي: ابتكار الطاقة النظيفة وتمويلها ونشرها، وسلاسل التوريد، وإدارة الكربون والميثان، والطاقة النووية، وإزالة الكربون من الصناعة والنقل. وتعمل في دولة الإمارات العربية المتحدة أكثر من ألف شركة أمريكية. وتستخدم العديد من الشركات الأمريكية الأخرى، التي تجتذبها صناعات النقل والخدمات اللوجستية القوية، دولة الإمارات العربية المتحدة كمقر إقليمي لها لإدارة أعمالها في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا وأجزاء من آسيا.
وترتبط دولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية بعلاقات دبلوماسية دائمة، والتزام تجاه منطقة الشرق الأوسط. وتعدّ دولة الإمارات العربية المتحدة، الدولة العربية الوحيدة التي شاركت مع الولايات المتحدة في ست عمليات عسكرية للتحالف على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية، ومن بين ذلك النضال الحالي ضد «داعش». وتُمثل دولة الإمارات العربية المتحدة أكبر سوق تصدير للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وهي رابع أكبر سوق للولايات المتحدة على مستوى العالم. وتعمل الدولتان على إيجاد الحلول الدبلوماسية المتعددة الأطراف وتوفير المساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها.
وتلعب الإمارات دوراً رئيسياً، في مشروع «NASA’s Lunar Gateway»، إذ ستطور وحدة مخصصة لإقفال الهواء الخاصة بالطواقم والعلماء، كما سترسل أول رائد فضاء إماراتي إلى مدار القمر، وذلك وفقاً لمبادرة تم الإعلان عنها في يونيو (حزيران) العام الماضي، ومن المقرر إطلاق الوحدة التي تعد ضرورية لأمان الرواد وعمليات المهمة بحلول عام 2030.
وتتعاون الدولتان في مجال تطوير التكنولوجيا، ويدفع وادي السيليكون الأمريكي، و«واحة السيليكون» في الإمارات العربية المتحدة أبحاث الذكاء الاصطناعي والابتكار نحو آفاق علمية جديدة. كما تشارك الإمارات في قيادة مبادرة AIM for Climate مع الولايات المتحدة التي تشمل أكثر من 50 دولة و500 شريك، لتعزيز الزراعة المستدامة، إضافة إلى ذلك استثمرت شركة مصدر في أحد عشر مشروعاً للطاقة النظيفة في الولايات المتحدة الأمريكية، بما في ذلك مشروع الطاقة الشمسية والبطاريات Big Beau بالقرب من لوس أنجلوس.
أمريكا دولة عظمى وتحظى باحترام دولي كبير، وبالتالي فتعاونها مع دولة الإمارات هو مواصلة لانطلاقات نحو مزيد من إيجابيات التعاون المطلوبة لدى كلا الطرفين.