الإمارات تتفوّق في الذكاء الاصطناعي

كتب د. خالد راشد الزيودي في صحيفة الخليج.
أطلق مجلس الإمارات للذكاء الاصطناعي والتعاملات الرقمية مؤخراً الدورة الثانية من جائزة الإمارات للذكاء الاصطناعي، وهي مبادرة وطنية نوعية تهدف إلى تعزيز مكانة دولة الإمارات وريادتها العالمية في مجال التقنيات الرقمية المتقدمة، وفي مقدمتها تطبيقات وحلول الذكاء الاصطناعي، من خلال تحفيز التنافس الإيجابي الخلّاق بين الجهات الحكومية والخاصة وشبه الحكومية والأفراد والقطاع الأكاديمي، لترسيخ ثقافة الابتكار وتبني الحلول الذكية والمتقدمة في مختلف القطاعات والخدمات.
جاء إطلاق هذه الجائزة تأكيداً لحرص الحكومة بقيادة صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وصاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، على مواكبة التطورات العالمية في مجالات الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي، ووضع الإمارات في موقع الصدارة كواحدة من أفضل الدول عالمياً في تطبيق وتوظيف هذه التقنيات لخدمة الإنسان وتسهيل حياة الناس.
وفي هذا الإطار أكد عمر سلطان العلماء، وزير الدولة للذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بُعد، أن حكومة دولة الإمارات تدرك أهمية هذه المرحلة المفصلية في مسيرة التطور الرقمي والتكنولوجي الذي يشهده العالم، وتعمل باستمرار على تعزيز الجاهزية المستقبلية من خلال بناء قدرات وطنية متميزة في الذكاء الاصطناعي، وتوظيفه لتطوير الخدمات الحكومية وتحسين أدائها بصورة مستمرة، مع التركيز على الابتكار والحلول الذكية كأولوية استراتيجية للدولة في السنوات القادمة.
وتأتي الجائزة في إطار هذه الرؤية المتقدمة، لتكريم الجهات المتميزة في توظيف الذكاء الاصطناعي بطرق إبداعية تسهم في تعزيز جودة الخدمات الحكومية وتحسين كفاءتها، وترسيخ مكانة الدولة كمركز عالمي للابتكار الرقمي. وتعتمد الجائزة في تقييمها للجهات المرشحة على مجموعة واضحة من المعايير تتضمن الابتكار، وأخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي، ونضج الحلول المطروحة وقابلية التوسع والتطوير المستمر، ومدى التأثير الإيجابي لها على مختلف شرائح المجتمع والقطاعات الحيوية في الدولة.
كما حرصت الجائزة على تغطية مختلف مجالات التطبيق الفعال للذكاء الاصطناعي، إذ تشمل خمس فئات رئيسية، من ضمنها تميز الخدمات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وحلول الذكاء الاصطناعي المطورة محلياً في دولة الإمارات، والشراكات الناجحة بين القطاعين الحكومي والخاص، إضافة إلى فئة القائد الحكومي الرائد في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، فضلاً عن فئة البحث العلمي التي تحتفي بالدراسات والابتكارات الأكاديمية التي تثري مجال الذكاء الاصطناعي على المستويين النظري والتطبيقي.
وتستهدف الجائزة في المقام الأول تشجيع الجهات الحكومية على تبني الذكاء الاصطناعي بشكل أكثر فعالية، بحيث تصبح الحلول الذكية والمدعومة بالتكنولوجيا الحديثة جزءاً أصيلاً من منظومة العمل المؤسسي الحكومي، كما تسعى إلى تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص، بحيث تتحقق الاستفادة القصوى من تبادل الخبرات والمعرفة التقنية والمهنية، وتسريع وتيرة الابتكار والتنمية الرقمية بما يعود بالنفع على المجتمع ككل.
وتحرص دولة الإمارات من خلال هذه المبادرة وغيرها من المبادرات الاستراتيجية المماثلة على ضمان ريادتها الرقمية عالمياً، وذلك عبر اعتماد إطار وطني موحّد لاستخدام الذكاء الاصطناعي، ما يسهم في خلق بيئة عمل متقدمة، تعزز تنافسية الدولة على الصعيد الدولي، وتدعم رؤية الإمارات للخمسين عاماً القادمة، في ظل ما يعيشه العالم من تحديات وتحولات كبرى في المجالات التقنية والاقتصادية.
إن هذه الجائزة لا تأتي فقط لتكريم المتميزين أو الاحتفاء بنجاحاتهم، وإنما هي بمنزلة نقطة انطلاق جديدة تفتح آفاقاً واسعة أمام الجهات الوطنية في الدولة كافة، لتحفيزها على تطوير وتبني حلول ذكية ومبتكرة قادرة على تعزيز قدرتها التنافسية، وتحسين جودة الحياة والخدمات المقدمة للجمهور، ودفع الاقتصاد الوطني نحو مزيد من النمو والازدهار عبر توظيف الذكاء الاصطناعي كعنصر فاعل ومحوري في مسيرة التنمية المستدامة.
ومن المؤكد أن هذه الخطوة النوعية من مجلس الإمارات للذكاء الاصطناعي والتعاملات الرقمية ستسهم بشكل كبير في تعزيز مكانة الدولة كواحدة من أفضل دول العالم في مجالات التكنولوجيا الرقمية، وستفتح مزيداً من الفرص للكوادر الوطنية للابتكار والتميز والإبداع في تقديم الحلول الذكية التي تخدم الوطن والمواطن، وتعزز مكانة الإمارات كمركز عالمي للتكنولوجيا والابتكار وريادة الأعمال في عصر الذكاء الاصطناعي والثورة الرقمية.
في الحقيقة، حين ننظر اليوم إلى مبادرات الذكاء الاصطناعي التي تتبناها الإمارات، فإننا لا نرى مجرد توجه تقني أو قرار إداري عابر، بل نلمس بوضوح رؤية عميقة، وإيماناً حقيقياً بأن التفوق في العصر القادم لن يكون لمن يملك الموارد المالية أو الطبيعية فحسب، وإنما لمن يملك الرؤية والاستعداد والمبادرة الجريئة نحو المستقبل.
الإمارات في هذا السياق لا تنتظر من أحد أن يرسم مستقبلها أو يحدّد مساراتها، بل قررت مبكراً أن تصنعه بنفسها، وأن تستثمر في أبنائها وبناتها، من خلال وضع قواعد وأسس واضحة تمكنهم من اكتشاف ذاتهم وقدراتهم، والتنافس عالمياً في تقديم أفكار وحلول خلاقة، ترفع من كفاءة الأداء وتختصر الوقت والجهد، وتفتح مسارات جديدة للعمل والتواصل والتفاعل في مختلف مناحي الحياة.