رأي

الإسلاموفوبيا ومسألة العيش المشترك

كتب د. عبد الحق عزوزي في صحيفة الشرق الأوسط.

كنت أترأس في الجامعة الأورومتوسطية لجنة مناقشة إحدى أطروحات الدكتوراه عن الخطاب الإعلامي في فترة الأزمات، وسار بنا الحديث عن أحد كبار المفكرين والفلاسفة، وهو الألماني يورغن هابرماس، الذي يمثل الإنتلجنسيا الأوروبية الحالية النقدية التي ما زالت تصدع بكلمة حق ضد الشر والبؤس. السؤال المطروح: ماذا وقع بالضبط لتزداد نسبة معاداة الإسلام في أوروبا والمجتمع الغربي بشكل كبير؟ لماذا هذه الإسلاموفوبيا؟ لماذا يَعدّ الأوروبيون الإسلام تهديداً أكثر من أي وقت مضى؟ يشير الفيلسوف الألماني في كتاباته إلى أن العامل الانتخابي وضرورة حشد عدد أكبر من أصوات الناخبين هو السبب الذي يجعل الجسم المجتمعي الألماني مثلاً مريضاً بالصور النمطية عن الإسلام والمسلمين، وهو الذي يغذّي في عقول الألمان مقولة وجود الهوية والثقافة الوطنية في خطر، أو ما يشار إليه بالهوية المرجعية، ويضيف إليها السياسيون الألمان خاصية جديدة، وهي كون ثقافة المجتمع الألماني ثقافة «يهودية – مسيحية»، ويتساءل الفيلسوف الألماني عن نسيان السياسيين الجدد ما وقع لليهود في ألمانيا.

وهناك مشكل كبير في فهم الآخر، في المجتمعات الغربية خاصة؛ ومن هنا تلك الحملات المسعورة التي يشعلها السياسيون وأصحاب القلم وفئات عريضة من المجتمع في حق المهاجرين، خصوصاً المسلمين منهم؛ ومما يزيد الطين بلة أن هذه الحملات لا يسلم منها حتى بعض التوجهات الأكاديمية التي تُدرس في الجامعات الغربية؛ وما زلت أتذكر لمّا كنت طالباً في الجامعة الفرنسية، كيف كنا نحن الطلبة نتلقى محاضرات من بعض المنظّرين في العلاقات الدولية؛ في ظاهرها قواعد عن سوسيولوجيا العلاقات الدولية وفي باطنها كره وجهل بالحضارة الإسلامية… وكان هناك تباين جليّ في التلقي والتجاوب، فكنا نحن الطلبة المسلمين نحتكم بصورة حقيقية ومَرضية إلى واقع الحضارة العربية والإسلامية في أثناء تلقِّينا لتلك العلوم، أما الطلبة الفرنسيون والأجانب (ما عدا الأفارقة والآسيويين منهم) فقد احتكموا إليها، بما في ذلك نظرية الأميركي هنتنغتون عن صراع الحضارات كما هي، بل غذّوها أيضاً انطلاقاً من نظريات مشابهة لها، وبقوا في هذا الحد من الفهم من دون الغوص في خبايا التاريخ وعلم الاجتماع والحضارة والأنثروبولوجيا لبناء نقد ذاتي لنظرية، رغم بساطتها، لها من النتائج على الفكر والنظرة إلى الآخر ما ليس لغيرها؛ وإذا دخلت في حديث فكري معهم وجدت نظرتهم إلى الحضارة العربية والإسلامية نظرة محقّرة، وإذا بحثت معهم فوق الحشائش وتحت الحشائش فلن تجد علماً ولو بسيطاً بتاريخ وواقع الحضارة العربية والإسلامية، بل مجملها سطحيات تفنّد بواقع العلم والتدقيق والحقيقة، والأدهى أن نظراتهم تتغذى على إسقاطات على وقائع ليس لها لا مرجع ولا أصل مُنصف… وما زلت أتذكر أنني يوماً سألت أستاذاً من أصول ألمانية يدعى توماس ليندمان، وهو من كبار منظِّري العلاقات الدولية في الجامعات الأوروبية، عن جدوى إدراج نظرية هنتنغتون في مادة السلك الثالث وفي هذا المستوى من التعليم؛ لأن هنتنغتون لا يمكن اعتباره من منظِّري العلاقات الدولية، ولا نظريته تصلح لأن توضع ندّاً لنظيراتها في العلاقات الدولية، فكان من إنصاف هذا الأستاذ أن ساندني الرأي ولكن من دون الخوض معي ومع زملائي في ماهية إدراجها ضمن المقرر.

وعندما أطلقت منذ أيام فرنسا والمملكة العربية السعودية والعشرات من الدول الأخرى، من بينها كندا وأستراليا، «نداء نيويورك»، الذي يدعو دول العالم كافةً إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وذلك في ختام المؤتمر الوزاري الذي عُقد في الأمم المتحدة بشأن حل الدولتين للنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، رأينا في وسائل الإعلام الغربية التي تفضلت باستجواب الناخبين، جهلاً بالواقع الفلسطيني رغم حرب وصور تجويع وتقتيل وتهجير الفلسطينيين الأبرياء… نعم إنه الجهل العميق بالواقع، والتراكمات المغلوطة التي تخلق صوراً مشوَّهة حول الآخر، خصوصاً أن الرجل الغربي العادي لا يتغذى فكره إلا على وسائل الإعلام… وأنا أشاطر هنا العديد من المنصفين عندما يؤكدون أن الغرب قلّما يتذكر، بصفة عامة، الدور الأساسي الذي لعبته الحضارة الإسلامية، التي كان يوجد أحد مراكزها في إسبانيا، التي كانت فيها أوروبا نفسها تهيم في عمق التخلف، ونحن نشكك في أن الناس، في شوارع واشنطن أو سيدني أو باريس، يعرفون اليوم مدى تقدم الحضارة الإسلامية في ذلك العصر. لقد قدمت هذه الحضارة للعالم معارف جديدة في مجال العلم والفلسفة والأدب والقانون والطب وغيرها من المجالات (…) ويراودنا الشك كذلك في كون الناس يتذكرون أن التسامح قد كان من المميزات السائدة في هذه الحضارة، ذلك أن فترة أوج الحضارة الإسلامية هي الفترة التي عاش فيها المسلمون واليهود والمسيحيون جنباً إلى جنب في سلام، في إسبانيا وبلدان أخرى من العالم الإسلامي.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى