رأي

الإرث الحزين للشرق الأوسط

كتب ديفيد إيغناتيوس, في “واشنطن بوست” :

لن ينسى النازحون من غزة، ومقاتلو حزب الله المذهولون، ما حدث. والذاكرة في الشرق الأوسط سم قاتل.

بعد مرور عام، أصبح شكل الشرق الأوسط مختلفا بالفعل، ولكن ليس بالطريقة التي توقعها معظم المراقبين. فقد أصبحت القوة العسكرية لحماس مقيدة، ويختبئ مقاتلوها المتبقون تحت الأرض. وحزب الله، الأكثر قوة بين وكلاء إيران، يترنح بعد اغتيال رؤوس قادته. ورغم محاولات إيران للرد تصدت الدفاعات الإسرائيلية لمعظم صواريخها وطائراتها دون طيار. أما إسرائيل فاستعادت قوة الردع ولكن في خضم عشرات الآلاف من القتلى وعدة ملايين من المدنيين النازحين.

وعلى مدى العام الماضي كان المدنيون الفلسطينيون واللبنانيون هم الذين دفعوا الثمن الأشد فظاعة. فقد لقي 41689 فلسطينيا حتفهم في غزة وأصيب 96625، وفقا لوزارة الصحة في غزة، التي تربطها علاقات بحماس. وتقول الأمم المتحدة إن 1.9 مليون من سكان غزة، أي 90% من السكان، نزحوا. ويقدر البنك الدولي أن أكثر من 60% من المباني السكنية في غزة تضررت أو دمرت. وتقدر الأمم المتحدة أن أكثر من 1200 إسرائيلي قُتلوا في إسرائيل وأصيب 5400 آخرون. وتقدر الأمم المتحدة أن 346 جنديا إسرائيليا لقوا حتفهم في غزة وأصيب 2297 آخرون. ومنذ بداية الحرب بين إسرائيل وغزة، قُتل 1664 إسرائيليا، منهم 706 جنود؛ وأصيب 17809 إسرائيليين وتم إجلاء حوالي 143 ألف شخص من منازلهم، وفقا لمسح إسرائيلي أجري في سبتمبر ونقلته صحيفة جيروزالم بوست.

وفي لبنان، نزح أكثر من مليون شخص، وفقا لتقديرات الأمم المتحدة. ووفقا لوزارة الصحة اللبنانية، أسفرت الغارات الجوية الإسرائيلية هناك عن مقتل أكثر من ألف لبناني وإصابة أكثر من ستة آلاف آخرين، في ما قد يكون مجرد المراحل الأولى من تلك الحرب.

لقد كان الألم الذي يعيشه المدنيون الفلسطينيون في غزة، بالنسبة لأغلبنا، عبارة عن مجموعة من الصور المروعة: أطفال جرحى يحتضنهم آباؤهم وأمهاتهم، أو نقالات محمولة عبر المباني المحطمة. وقد جاءت لمحة شخصية من هذا الرعب في 48 جزءا من مذكرات غزة التي كتبها “زياد”، وهو فلسطيني يبلغ من العمر 35 عاما، ونشرتها صحيفة الغارديان على مدار الأشهر الستة الأولى من الحرب.

كانت إدارة بايدن هذا العام حريصة على صنع السلام لكنها فشلت بشكل مذهل. ولم يكن ذلك بسبب نقص الجهود. فقد قام مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ويليام جيه بيرنز ومدير مجلس الأمن القومي لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكجورك بما يقرب من اثنتي عشرة رحلة وساطة إلى المنطقة، بمساعدة مسؤولين مصريين وقطريين.

ولكن جهود فريق بايدن أثبتت فشلها، ولم تكن هذه نسخة هنري كيسنجر من الدبلوماسية المكوكية. فقد كان صانع القرار في حماس يحيى السنوار في نفق تحت غزة، وفضّل الاستشهاد على التسوية. وادعى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أنه مهتم بوقف إطلاق النار والصفقة الخاصة بالرهائن، لكن بوصلته كانت دوما مرتبطة ببقائه السياسي.

لقد كانت حظوظ نتنياهو المتقلبة سببا في إضفاء طابع مميز على الحرب. فقد كان منبوذا قبل عام، ومحتقرا من قِبَل بعض المعلقين باعتباره أسوأ رئيس وزراء في تاريخ إسرائيل. ولكن نتنياهو صمد، مثل رجل معلق من حافة ناطحة سحاب، وبحلول الأسبوع الماضي كان حتى منتقديه في إسرائيل يصفقون له لتدمير حزب الله.

لقد استعادت إسرائيل المبادرة من خلال شن حملة من الانتقام للعار الذي حدث في السابع من أكتوبر. ولكن الأهم من كل ذلك هو افتقار إسرائيل للتفكير باليوم التالي وهو نفس الخطأ الجسيم الذي ارتكبته في غزة، في الوقت الذي يحطم فيه الجيش الإسرائيلي لبنان.

ولعل الإرث الأكثر حزنا الذي ستخلفه هذه الحرب هو إمكانية تكرارها بسهولة. ونحن جميعا نعرف المثل القائل بأن هؤلاء الذين لا يتعلمون من التاريخ لا يتعلمون شيئا. فعندما نرى الوجوه القاسية للإسرائيليين والفلسطينيين واللبنانيين، فإننا نعلم أن العديد منهم يفكرون في الصراع القادم، حتى وهم يخوضون هذا الصراع. ومن غير المرجح أن ينسى النازحون من غزة، ومقاتلو حزب الله المذهولون، ما حدث. وفي الشرق الأوسط، تُعَد الذاكرة مخدرا يسبب الإدمان، وسما قاتلا.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى