رأي

الأونروا يجب أن تبقى.. ولكن!

كتب عبدالباري فياض, في “العرب” :

على مرّ العقود واجهت الأونروا اتهامات بتسييس عملها ودعمها لطرف على حساب آخر وقد أضرت هذه الاتهامات بسمعتها وهددت قدرتها على حشد الدعم الدولي اللازم لمواصلة تقديم خدماتها للاجئين الفلسطينيين.

من شريان حياة للاجئين إلى مؤسسة مهددة بالتفكيك والإغلاق في غزة، هكذا هي مسيرة الأونروا أو وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، التي تأسست بعد عام من الحرب العربية – الإسرائيلية عام 1948، وشهدت قيام إسرائيل بتهجير أكثر من 700 ألف فلسطيني من منازلهم في حدث عرفه الفلسطينيون باسم “النكبة”.

كانت الأونروا ومازالت الملاذ الوحيد للفلسطينيين باعتبارها منظمة إنسانية تعمل في غزة على رعاية أكثر من مليون فلسطيني سواء عن طريق الدعم المادي والإنساني أو الملاجئ، فهي أنقذت حياة أكثر من ثلاثة أرباع السكان، لكن مؤخرا وجهت إسرائيل سهامها إليها لإفراغ الوكالة من محتواها، وغلق جميع آفاق الحياة على الفلسطينيين داخل غزة وتفكيكها وتفكيك اللاجئين معها، في الوقت الذي تنفي فيه حماس ارتباط أعضاء الوكالة مع جناحها العسكري.

الرواية الإسرائيلية تدّعي أن الأونروا مخترقة بالكامل من قبل حماس، وأن موظفيها ضلعوا في هجوم السابع من أكتوبر، ودعت دولة الاحتلال إلى إنهاء عمل المنظمة وفرض المزيد من القيود عليها، وعلى الرغم من أن الوكالة تمثل العمود الفقري للمساعدات في غزة في ظل غياب كل وسائل الحياة هناك جراء الحرب الإسرائيلية المستمرة لأكثر من ثمانية أشهر، إلا أنها فعليا تواجه قيودا في التمويل العالمي، فأوقفت اثنتا عشرة دولة هذا الدعم بسبب هذا الادعاء الإسرائيلي الذي ليس له أي أدلة واقعية.

◄ دولة الاحتلال تسعى لتصنيف الأونروا حركة إرهابية بعدما صدق الكنيست بذلك، لكن من الواضح أن التحركات الإسرائيلية ضد الوكالة تهدف إلى القضاء على فكرة اللاجئين الفلسطينيين

وربما يمكن أن تكون الأونروا مخترقة فعلا ولكن يجب علينا الوقوف على حقائق ملموسة، هذا لأن تاريخ وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، تاريخ طويل من العطاء، فعلى مدار خمسة وسبعين عاما، تظل هي أكبر منظمة إنسانية ومانح حقيقي في قطاع غزة، كما تستضيف حاليا أكثر من مليون شخص في ملاجئها، لكن من الواضح أن هجمات التشهير ونشر المعلومات المضللة حول الأونروا تعرضها للخطر بشكل مباشر وتؤثر سلبا على حياة المدنيين اللاجئين والفارين من ويلات الحرب في غزة ورفح، خاصة وأن العمليات المنقذة للأرواح التي تقوم بها الوكالة وموظفوها العاملون على الأرض ضعفت كثيرا، لاسيما بعد مقتل 192 موظفاً لها وتعرض أكثر من 170 مبنى تابعاً لها للأضرار أو للتدمير، وهدم مدارسها، وقتل نحو 450 نازحاً أثناء لجوئهم إلى مدارس الأونروا وغيرها من المباني. ومنذ 7 أكتوبر، فضلا عن اعتقال القوات الإسرائيلية لموظفين تابعين للأونروا في غزة حيث قالوا إنهم تعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة أثناء احتجازهم في القطاع وفي إسرائيل، وزيادة على ذلك المضايقات والإهانات بشكل منتظم في نقاط التفتيش الإسرائيلية بالضفة الغربية.

إنّ حياد الأونروا ليس مجرد خيارٍ مُفضل، بل هو ضرورة لضمان استمرار رسالتها الإنسانية. فالملايين من اللاجئين الفلسطينيين يعتمدون على خدمات الوكالة في مجالات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، وغيرها من الخدمات الأساسية. وبالتالي، فإنّ أيّ انزلاقٍ سياسي من قبل الأونروا قد يُهدد هذه الخدمات، ويُعرّض حياة اللاجئين للخطر.

فعلى مرّ العقود، واجهت الأونروا اتهامات من بعض الجهات بتسييس عملها، ودعمها لطرفٍ على حساب آخر في الصراع. وقد أضرت هذه الاتهامات بسمعة الوكالة، وهددت قدرتها على حشد الدعم الدولي اللازم لمواصلة تقديم خدماتها الحيوية للاجئين الفلسطينيين.

لذا فمن المهم على كل من يعمل في الأونروا تحديد أهدافه في مجال مساعدة الفلسطينيين، وتكذيب الرواية الإسرائيلية بإيواء السلاح داخل المنشآت بدلاً من المساعدات الإنسانية للأهالي، وأن تبتعد عن المشهد السياسي ليظل دورها قائما داخل الأراضي الفلسطينية، فمستقبل اللاجئين الفلسطينيين يعتمد على قدرة المنظمة على مواصلة عملها الإنساني بفعالية. ولن يتحقق ذلك إلاّ من خلال الحفاظ على حيادها وموضوعيتها، بعيدًا عن أيّ تدخلات سياسية أو شبهات قد تُعيق عملها.

ربما أيضا تريد إسرائيل إخراج الأونروا من قطاع غزة أو تقليص عملياتها في القطاع الفلسطيني والبحث عن منظمات مختلفة تكون تحت قيادتها، وقد يصل الأمر إلى نقل كل مهام وكالة الأونروا إلى الهيئة التي ستحكم غزة بعد انتهاء الحرب، فكل شيء مطروح، كما تسعى دولة الاحتلال لتصنيفها حركة إرهابية بعدما صدق الكنيست بذلك، لكن من الواضح أن التحركات الإسرائيلية ضد الوكالة تهدف إلى القضاء على فكرة اللاجئين الفلسطينيين وكذلك محو سيناريو أو مقترح حل الدولتين وحق الشعب الفلسطيني في العودة والعيش في وطنه.

كلمة أخيرة : الأونروا لا يمكن تعويضها، وأقول لبنيامين نتنياهو ارفع يدك عنها وعن اللاجئين الفلسطينيين.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى